ولأن لبنان يعاني اليوم من أزمات إقتصادية مالية نقدية معيشية لم يشهد لها مثيل منذ 50 عاماً بات لزاماً على السلطات المعنية الشروع في صوغ حلول جذرية تُخرج البلد من ”حفرة “ المديونية العميقة وتعيد نهوض قطاعه المصرفي الذي أثبت هشاشته رغم انتفاخه مالياً وصولاً الى استعادة الثقة محلياً ودولياً.
يجتمع غالبية خبراء الإقتصاد على عدد من الحلول التي باتت تُعد من المسلّمات الضرورية للتعامل مع الأزمات الراهنة ويرون أن الحلول لا زالت متاحة إلا أنها تستلزم عملاً جدّياً وعاجلاً يبدأ من المصارحة بتفاصيل الأزمة وتكلفة معالجتها، لاسيما أن لبنان يواجه استحقاقاً مالياً في شهر آذار المقبل إذ يستحق عليه سداد ملياراً و200 مليون دولار وتكمن الخطورة في أن وكالات عالمية توقّعت تخلّف لبنان عن السداد وهو ما يعرّضه الى مخاطر الإفلاس.
تتصدّر سلسلة الحلول للأزمة المالية في لبنان، المعالجات الداخلية إنطلاقاً من ضبط الإنفاق ووقف الهدر ومكافحة الفساد وتنفيذ الإصلاحات العاجلة التي من شأنها خفض النفقات وزيادة إيرادات الخزينة، حينها يمكن اللجوء وفق البعض الى طلب الدعم من المجتمع الدولي.
وانطلاقاً من ضرورة تنفيذ إصلاحات داخلية قبل اللجوء الى المانحين الدوليين أعرب خبراء اقتصاديون عن تحفّظهم على موقف وزير المالية في الحكومة الجديدة غازي وزني الذي أكد فيه سعي الحكومة الى تأمين قروض ميسرة تصل إلى خمسة مليارات دولار لتمويل استيراد السلع الأساسية القمح والمحروقات والأدوية وذلك لتأمين الضخ المالي لتغطية احتياجات البلد لمدة عام.
معالجات داخلية
مهما كانت الحلول المتاحة للأزمة المالية والإقتصادية والنقدية القائمة في البلد تبقى إنطلاقة الحلول من الداخل وتحديداً من إقرار موازنة 2020 العامة على أن يتم إقرار قطع الحساب كذلك، ذلك وفق الخبير الإقتصادي والأستاذ الجامعي لويس حبيقة في حديثه الى “بيروت توداي”، ويشدّد حبيقة على رفضه القاطع جدولة الدين في مقابل الإصرار على حل الأزمة محلياً.
يرى أنه بات ملحّاً خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات وضبط الهدر ومحاربة الفساد عبر الإلتزام بخطط إصلاحية وُضعت في السابق تتضمن العديد من الإجراءات ذات الجدوى كإغلاق أكثر من 80 مؤسسة وإدارة عامة غير مجدية وتحسين الخدمات العامة عبر إصلاح البنى التحتية والكهرباء والماء وغيرها خصوصاً أن الدولة لم تُحصّل ليرة واحدة من الجباية منذ 3 اشهر، فالجباية لن تتحسّن ما لم تتحسّنن الخدمات الحياتية ويُضاف كل ذلك الى إجراءات ومشاريع من شأنها إعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان ومن الممكن أن يلي ذلك تقديم الدعم المطلوب من المانحين الدوليين.
ويسأل حبيقة ما قيمة إدراج إيرادات مالية غير مضمونة التحصيل في الموازنة العامة، فلتحقيق عجز بنسبة صفر في المئة علينا تفعيل الجباية وتحسين الخدمات، ”نحن في لبنان غير محتاجين للمال بل نحن في حاجة الى أن نُحسِن إدارة البلد“ .
أما على مستوى العملة الوطنية فلم يوافق حبيقة على موقف وزير المال غازي وزني بأنه بات مستحيلاً إعادة سعر صرف الدولار الى ما كان عليه قبل الأزمة أي الى 1500 ليرة، باعتبار أن سعر الصرف يحكمه السوق، وإذا ما استعاد السوق استقراره وثقة الناس من الممكن استقرار سعر الصرف.
ويختم حبيقة بأن حلول الأزمات التي يواجهها لبنان اليوم تبدأ من الداخل رافضاً القبول بتدخل صندوق النقد الدولي ووضع برنامج للإصلاح، ”إذ أننا على علم بمشكلتنا وعلينا العمل على حلّها قبل اللجوء الى الخارج“.
تجديد سعر الصرف في لبنان
وبخلاف حبيقة ترى الباحثة في الشأن الاقتصادي والمالي والأستاذة الجامعية ليال منصور إشراقية أنه بات من الضروري تحديد سعر جديد للصرف إذ يستحيل إعادة السوق إلى سعر الـ1500 ليرة للدولار، وترى في حديثها الى ”بيروت توداي “ أن الحلول للأزمة المالية تتوزع على المديين القريب والبعيد ”وعندما نتطرق إلى الحلول الواقعية قصيرة المدى لا بد أن نضع في أذهاننا ضرورة تقبّل الواقع لجهة تكبّدنا الخسائر أقلّه لجهة تراجع القدرة الشرائية مع انخفاض قيمة العملة بنحو الثلث كما يجب أن نبحث في إمكانية خفض حجم الخسارة“.
ومن بين الحلول قصيرة المدى وفق إشراقية، يجب تحديد سعر جديد للدولار مقابل الليرة وقد يكون 2000 أو أكثر أو ربما 3000 ليرة إنما يبقى الأهم تحديد سعر صرف الدولار ومنع تلاعب سعره صعوداً ونزولاً، وعند تحديد سعر جديد للدولار من الممكن أن يتمتع بثبات على مدى 30 عاماً مقبلاً وقد يوجد ذلك الثقة باستعادة التحويلات المالية أو باستقطاب الإستثمارات من جديد الى لبنان.
إصلاح مصرفي
وفي ظل الأزمة المصرفية القائمة ”لا بد من اعتماد أحد الحلول الجذرية وهو إصلاح القطاع المصرفي عبر دمج بعض المصارف أو إعلان إفلاسها إذ يجب أن تتحمل المصارف نتيجة سوء إدارتها وإمعانها في إدانة الدولة خصوصاً أنها على يقين بالفساد والهدر الحاصل في الدولة، فلا يمكن ان نحمّل المودعين الخسائر ولا أن نحمّل المواطن اللبناني الخسارة بل يجب أن تتحمل المصارف جزء من الخسارة وتعمل على دمج بعضها“.
إجراء آخر أساسي يجب اعتماده ضمن سلّة الحلول على المدى القصير هو الحد من الدولرة وحصر استخدام الدولار بالعمليات التجارية في المصارف وتمويل عمليات الإستيراد وحصر التعاملات المحلية اليومية بالليرة اللبنانية ووضع برنامج يضمن خفض مستوى الدولرة سنوياً بنسبة محدّدة وهو ما بدأ العمل به فعلياً أي الحد من الدولرة.
وعلى الرغم من اعتبار إشراقية لبنان بلداً مفلساً ترفض رفضاً قاطعاً زيادة الضرائب بهدف تحسين الإيرادات، ”فلم يعد مُجدياً فرض الضرائب في ظل تراجع المداخيل بشكل كبير وانخفاض القدرة الشرائية “، تقول إشراقية.
فالمؤسسات التجارية تراجعت أعمالها وأقفلت العشرات منها والموظفون يتعرّضون الى عمليات صرف أو خفض رواتبهم بأحسن الأحوال بحيث تقلّصت الطبقة الوسطى الى حد الزوال، لكن يمكننا خفض الضرائب للشركات الصغيرة المعرضة لمخاطر الإفلاس وبذلك نكون قد خفّضنا من أعبائها وحافظنا على اليد العاملة ورفعنا مستوى فرص العمل.
ومن الضروري بحسب إشراقية إيلاء القطاعات الإنتاجية الأهمية الكافية مع ضرورة تحفيز الصادرات، للخروج من الأزمة الراهنة، ”إذ يجب تشجيع قطاعات الزراعة والصناعة وتقديم حوافز لهذين القطاعين، كما أنه من الممكن زيادة الضرائب بشكل كبير على البضائع الجاهزة المستوردة التي يتوفر لها بديل من الإنتاج اللبناني، وفرض ضرائب على كل منتج غير أساسي كالسجائر والمشروبات الروحية وغيرها في مقابل منع فرض أي ضرائب على سلع لا بديل لها في لبنان كالبنزين ومشتقات البترول لاسيما أن بعضها تُستخدم في إنتاج الكهرباء والنقل في ظل غياب وسائل نقل عامة في لبنان“.
أما على المدى البعيد تقول إشراقية أنه يجب العمل على محاسبة الفاسدين والمرتشين والسارقين وغيرهم حينها تبدأ الدولة باسترداد الأموال المنهوبة، ”ويكفي تطبيق القوانين لتجبى الأموال لاسيما القانون الذي يرعى عمل الجمارك وقطاع التبغ وقانون الضريبة على القيمة المضافة وقوانين السير وغيرها من المنافذ الهامة التي تدر الإيرادات على الدولة“.