يخسر اقتصاد لبنان يومياً ما لا يقل عن 80 مليون دولار أي نحو نصف دخله الوطني بسبب الأزمة التي تمر بها البلاد ولا زال سياسيوه يتقاذفون الاتهامات بالفساد والعمالة وغيرها من الأوصاف التي غالبا تطالهم جميعا بطريقة أو بأخرى.
يشهد البلد انهيارات قطاعية دون أن يجاهر أي من أصحاب السلطة بوجود أزمة حقيقية قد تطيح بالأخضر واليابس في البلد. وبالطبع دون أي مبادرة لاجتراح حلول أقله لقطاعات انتاجية من شأنها مواجهة أزمة غذائية مرتقبة فيما لو التفتت السلطة إليها في هذه المرحلة العصيبة، كالقطاع الصناعي أو الزراعي وغيرها.
والحال أن العديد من القطاعات الخدماتية والإنتاجية تتداعى بشكل مأساوي بعد أن أنهكتها الأزمات السياسية والأمنية المتتالية على مر السنوات الماضية لتأتي الأزمة النقدية والسياسية الراهنة وتُجهز عليها بالكامل حتى أن بعض القطاعات شهد الكثير من الإفلاسات وبعضها الآخر لا يُتوقع صمودها للأشهر القليلة المقبلة في حال استمرار الوضع القائم على ما هو عليه. وأكثر القطاعات المعرّضة لمخاطر عالية هي التالية:
القطاع الصناعي
من الجهل أن تترك السلطة للقطاع الصناعي مسؤولية مواجهة أزمة الدولار وعموم الأزمات القائمة في البلد، ليس انحيازاً للقطاع الصناعي دون غيره، لكن لكونه القطاع الوحيد الذي يعوّل عليه في المرحلة المقبلة في مدّ الأسواق اللبنانية بحاجاتها الإستهلاكية وإن ليس باستطاعته تحقيق اكتفاء ذاتياً، فالقطاع الصناعي يكاد يكون القطاع الإنتاجي الوحيد الذي بإمكانه إدخال بعض العملة الأجنبية الى البلد من خلال التصدير في ظل ضبط تحويل الأموال الى الخارج لتغطية عمليات الإستيراد، فيما لو أتيحت له الفرصة لتعويص الأسواق عن حاجاتها من المنتجات المستوردة.
لكن السلطة عموماً ومصرف لبنان خصوصاً لم يلتفتوا الى حاجة القطاع الصناعي الماسة الى تأمين العملة الصعبة لاستيراد المواد الأولية للصناعات المحلية، حتى شارف المخزون على النفاذ وباتت دورة الإنتاج وتأمين السلع الضرورية للأسواق مهدّدة بالتوقف ناهيك عن تعرّض مئات المصانع الى خطر الإقفال وبالتالي فقدان سلع أساسية من الأسواق المحلية وتسريح آلاف العمال.
طالب الصناعيون أكثر من مرة بشمول القطاع إجراءات تغطية عمليات الإستيراد وفتح اعتمادات للمواد الأولية اللازمة للصناعة على غرار استيراد الدواء والمحروقات والقمح، غير أن مطلبهم لم يلق تجاوباً من مصرف لبنان.
وتراجعت القدرة الإنتاجية للقطاع الصناعي خلال الأشهر الثلاثة الماضية بين 25 و75 في المئة على اختلاف المصانع وطبيعة إنتاجها، بحسب نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش في حديث الى ”بيروت توداي“ فالمصانع التي تسوّق إنتاجها محلياً من دون تصديره كمصانع الكرتون والتغليف والنايلون وغيرها تواجه أزمة تأمين المواد الأولية المستوردة التي تدفعها الى شراء الدولار من الصرافين لتغطية عمليات الإستيراد وبذلك تضطر الى سلوك أحد الخيارين إما رفع أسعار إنتاجها وهو ما يخفض نسبة مبيعاتها ويقلل قدرتها على المنافسة أو أن تخفض حجم إنتاجها وكلا الخيارين مرّ.
لا أرقام دقيقة عن إقفالات المصانع لكن كافة المصانع، وفق بكداش، خفّضت مستوى أعمالها وحسمت نصف رواتب العاملين لديها واعتمدت إجراءات أخرى من شأنها التخفيف من الضغوط عليها.
القطاع السياحي
أما القطاع السياحي الذي يُعد من أكثر القطاعات تأثراً بالأزمات السياسية والأمنية وغيرها، فإن غالبية القطاعات المنضوية تحت لوائه معرّضة للإنهيار التام في حال استمرار الوضع السياسي على ما هو عليه اليوم، وفق ما يؤكد الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي في حديث الى ”بيروت توداي”، فالقطاعات السياحية كافة تعلّق بعض الآمال على الشهرين الحالي والمقبل (كانون الأول والثاني) لسداد بعض نفقاتها وتعويض بعض الخسائر التي من المفترض أن تتيح لها الإستمرار تجنباً لمزيد من الإقفال في مؤسساتها.
وإذ يأسف بيروتي لحال اللاوعي السياسي الذي يكاد يودي بالبلد، يجزم بأنه في حال غياب بوادر حلول للأزمة الراهنة فإن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد المؤسسات السياحية فاجعة كبيرة.
الأسواق التجارية
وليس القطاع التجاري بأفضل حال من باقي القطاعات المتأزمة، فالكثير من المؤسسات التجارية معرضة للإقفال النهائي بسبب الهواجس والضغوط التشغيلية التي تعاني منها في ظل التراجع الدراماتيكي للنشاط التجاري، يوضح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس في حديث الى ”بيروت توداي“ فقد تراجع مستوى الأعمال بنسبة تفوق 70 في المئة فيما يتعلّق بالمواد الإستهلاكية غير الأساسية، في المقابل ارتفعت نسبة المبيع للمواد الاستهلاكية الاساسية بنسبة قاربت 30 في المئة عن مستوياتها السابقة، وذلك إن دلّ على شيء فإنه يدل على ارتفاع منسوب القلق بين الناس وهو ما يدفعهم الى تموين المواد الغذائية.
وفي حين يعوّل غالبية التجار على فترة الأعياد لإحداث خرق في حال الركود ولتمكين المؤسسات من الإستمرار، تستمر العديد من المؤسسات بفتح أبوابها، وفق شمّاس، ليس لقدرتها على الإستمرار وإنما لسدادها تكاليف إيجارات محلاتها التجارية لمدة عام، أي أنها ”عايشة من قلة الموت“ يقول شمّاس.
مكاتب السياحة والسفر
الأشهر القليلة المقبلة تشكّل الكلمة الفصل بالنسبة الى قطاع المكاتب السياحية الذي بدأ يعاني من خفوت نشاطه منذ منتصف العام الجاري ليواجه أزمة من نوع آخر في الشهرين الأخيرين ترتبط بالقيود المصرفية على التحويلات وتهدد مئات المكاتب بالإقفال التام.
تراجع حجم أعمال مكاتب السياحة والسفر بشكل كبير مؤخراً تجاوزت 80 في المئة، وفق حديث نقيب مكاتب السياحة جان عبود في حديث الى ”بيروت توداي“، ”فبعد ان كان حجم أعمال مكاتب السياحة والسفر شهرياً يقارب 60 مليون دولار فإنه يقل اليوم عن 12 مليوناً وهو تراجع قياسي لم نشهده منذ سنوات“ يقول عبّود.
ويشدّد عبّود على أن أسباب التراجع ”الكارثي“ لنشاط القطاع لا يقتصر على عامل واحد إنما يشمل عدة عوامل أولها تراجع الحجوزات بسبب الوضع السياسي والأمني القائم، والسبب الآخر يرتبط بسعر الصرف ”إذ أن المكاتب تبيع بالعملة اللبنانية فيما تسدد للوكلاء وشركات الطيران بالدولار الأمر الذي رفع التكاليف على المكاتب وكبّد العديد منها الخسائر نتيجة الفارق الكبير في سعر الصرف“.
عقبة أخرى تواجهها مكاتب السياحة والسفر خلال الشهرين الماضيين هي أن مكاتب شركات الطيران العاملة في لبنان باتت تعتمد مبيع التذاكر مباشرة للزبائن (على الكونتوار) بالليرة اللبنانية وفق السعر الرسمي الأمر الذي ساهم بالمزيد من تراجع حجم الأعمال، ويلفت عبّود إلى أن مفاوضات جاريه مع شركات الطيران للتوصل الى حلول تساهم في التخفيف من حجم الأضرار اللاحقة بالقطاع.
ولا تقتصر أزمات قطاع السياحة والسفر على ذلك بل تتعداها الى أزمة القيود على التحويلات المالية التي تعرقل عملية تحويل أموال مكاتب السياحة والسفر في لبنان الى الوكلاء الأجانب والمكاتب والمؤسسات التي يتم التعاون معها في الخارج، ويختصر عبّود وضع القطاع بالقول: إن 211 مكتب لبناني منضم الى اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) يواجهون خطر الإقفال في الأشهر القليلة المقبلة في حين أن جميع المكاتب بما فيها 400 مكتب خارج IATA يواجهون تراجعاً كارثياً دفعهم إلى خفض نفقاتهم التشغيلية من بينها خفض رواتب العاملين لديهم بنسبة 50 في المئة.
الفنادق والمقاهي
وليس قطاع الفنادق والمقاهي بأفضل حال من سواه من القطاعات السياحية إذ أن قرابة 400 مطعم ومقهى توقف عن العمل وأقفل أبوابه خلال الشهرين الماضيين أما من استمر بالعمل فلم يتردّد بصرف قسم من العاملين لديه وخفض رواتب القسم الآخر.
وللفنادق وضع خاص، إذ لا يمكن للفندق اتخاذ قرار بالإقفال كالمطعم أو المقهى وإعادة فتح أبوابه بعد انتهاء الأزمة، لذلك لجأت الفنادق الى إقفال طوابق وأقسام مع استمرار العمل بما تبقى من قدرات، ويؤكد نقيب أصحاب الفنادق بيار الاشقر في حديث الى ”بيروت توداي” أنه في حال استمرار الأزمة الراهنة على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة فإن القطاع الفندقي سيشهد حتماً إقفالات نهائية علماً أن 100 في المئة من الفنادق حالياً تقفل جزئياً وتسدد 50 في المئة من رواتب العاملين لديها.
وإذ يستعيد الأشقر الأزمات السياسية والأمنية التي مرت بلبنان منذ العام 2011 وحتى اليوم من فراغ حكومي ورئاسي وغيرها وصولاً الى الأزمة الراهنة، يرى أن تراكم الازمات أفقد القطاع قدرته على الصمود وهو ما جعله ينهار سريعاً مع وقوع الأزمة الأخيرة، ويأسف الى أن القطاع كان يعمل بنحو 2 مليون دولار شهرياً في حيت لم تتجاوز أعماله في الشهرين الأخيرين 200 ألف دولار.
تأجير سيارات
وكما العديد من القطاعات يعاني قطاع معارض السيارات من الأزمة وهو مرشح لمواجهة إفلاس مؤسساته وفق ما يؤكد نقيب اصحاب وكالات تأجير السيارات السياحية الخصوصية محمد دقدوق في حديث الى ”بيروت توداي“، فحجم أعمال القطاع الذي يتألف من 190 شركة تأجير و19 ألف سيارة بحسب دقدوق تراجع خلال الشهرين الماضيين الى 3 في المئة بالحد الأقصى.
لا مغتربين في لبنان ولا موسم سياحي ولا قدرة شرائية لدى المقيمين من اللبنانيين، وبعد أن كانت تتراوح نسبة الحجوزات في فترة الأعياد بين 90 إلى 95 في المئة ”فإن الحجوزات هذا العام قد تبلغ مستوى 30 في المئة في أفضل الأحوال خصوصاً انها لم تتجاوز حتى اليوم نسبة 7 في المئة رغم الحسومات“ يقول دقدوق.
تعاني شركات تأجير السيارات من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها اتجاه المصارف لاسيما المعنونة بالدولار، حتى ان إقفال الشركات المتعثرة يواجه صعوبات، وفق دقدوق، في ظل الإلتزامات تجاه المصارف واستمرار تحصيل الضرائب والرسوم وعلى رأسها رسوم الميكانيك، لذلك يلجأ البعض الى تقليص عدد السيارات العاملة لسداد التزامات الشركة لكن بصعوبة إذ أن سوق البيع بات ضيقاً جداً.
وإذ يختصر دقدوق توصيف القطاع بالقول ”أنه في حال موت سريري“ يتوقع ان تعمد نحو 100 شركة تأجير في عام 2020 الى بيع نحو 50 في المئة من سياراتها ”فالقطاع يتجه إلى تقليص حجمه من 190 الف سيارة الى 10 آلاف“.