بعد إغلاق لاكثر من أسبوعين في أعقاب الانتفاضة الضخمة التي اندلعت في 17 أكتوبر، عاودت المصارف اللبنانية فتح أبوابها في ظل فوضى هائلة وقلق شديد لدى المودعين. كانت المصارف قد فرضت منذ شهرين تقريبا قيودا جديدة على تحويلات وسحوبات حسابات العملات الأجنبية، لكن هذا الأسبوع توقفت العديد من المصارف عن تزويد العملاء بالدولار من حساباتهم المقوّمة بالدولار، مشيرة إلى نقص في السيولة. إذا، أين هي أموالك؟ ومن المسؤول عنها؟
لنفترض أنك وضعت 1000 دولار في حسابك. البنك الذي تتعامل معه لا يحتفظ بالمبلغ كما هو، بل يستثمره لكسب المال. من الضروري الاحتفاظ بمبلغ 100 دولار (10 في المائة) كاحتياطيات سائلة (نقدية) مطلوبة في المصرف المركزي، وبالتالي، فإن مبلغ 100 دولار هو أسرع مبلغ يمكن أن يقدمه المصرف لك.
ماذا عن بقية المبلغ؟ لقد استثمر المصرف الذي تتعامل معه 500 دولار في شهادات يصدرها مصرف لبنان بأسعار فائدة جيدة جدا (وهو ليس على استعداد للتخلي عنها)، وقد قدم المصرف 200 دولار كقروض للشركات، و100 دولار كقروض للحكومة، و100 دولار كأصول أخرى. يتبع هذا التوزيع الميزانيات الموحدة للمصارف التجارية اعتبارًا من سبتمبر 2019.
لذلك، إذا كنت ترغب بسحب 1000 دولار في الوقت الحالي، المصرف لا يملك هذا المبلغ. عادةً ما يعتمد على عدم توافد جميع المودعين لسحب أموالهم: إنه يستخدم أموالًا من عملاء آخرين لتلبية الطلبات، ويفضل عدم المس باستثماراته في مصرف لبنان أو في مصارف أخرى لأنه يريد تحقيق الأرباح.
ماذا يفعل المصرف في حال طرق العديد من العملاء، مثل الآن، أبوابه؟ يسأل عن تسهيلات نقدية (قرض نقدي) من المصارف الأخرى (التي ليس لديها أموال!) أو من المصرف المركزي. ونظرًا إلى أن مصرف لبنان يقوم بتوزيع حصص الدولار، فإنه يتعين عليه تلبية الطلبات المتعددة –خاصة من خلال خدمة ديون الحكومة الفاسدة– فهو لا يوفر للمصارف السيولة اللازمة في الوقت المحدد.
في حين أنه يحق للمصرف ألا يعيد إليك على الفور ودائعك المجمّدة في حسابات محددة الأجل (وأحيانًا، يفرض رسومًا كبيرة إذا أصريّت)، إلاً أنه لا يحق له عدم إعطائك الدولارات المودعة في حسابك الجاري. لكن المصارف لا تملك ببساطة ما يكفي من النقود. هذا هو خطأها، وخطأ الحكومة ومصرف لبنان، وطبعاً، خطأكم بطريقة أو بأخرى.
تتمتع المصارف التجارية في البلاد بمعاملة مميزة، مع حماية قانونية محدودة للعملاء ومجموعات الرقابة. لقد جمعت مبالغ كبيرة من خلال شهادات مصرف لبنان وأسعار الفائدة، وخاصة من خلال الهندسات المالية الشهيرة خلال السنوات القليلة الماضية. كان هذا متوقعًا بالفعل لأن أكثر من 40 في المائة من أصول المصارف مملوكة من قبل السياسيين أنفسهم.
إن ممارسات الحكومة الفاسدة وحاجتها المستمرة إلى أموال جديدة لتمويل نفقاتها المهدرة جعلتها تمارس “المحاباة” مع المصارف ومصرف لبنان، مع تسوية متبادلة للنفقات العالية وأرباح الفائدة الأعلى. تحوّل مصرف لبنان، الذي كان يجب أن يقوم بدور منظم مستقل للسياسة النقدية، إلى وسيط وممول لهذا النظام برمته. على الرغم من أن الحفاظ على هذا الارتباط كان ولا يزال الهدف الرئيسي المعلن (والجيد)، فقد كبّد هذا الأمر تكلفة اجتماعية ضخمة ومكاسب كبيرة لمجموعة صغيرة من الرأسماليين.
والخطأ ملقى على عاتقكم أيضاً بطريقة أو بأخرى. عندما واصلت المصارف زيادة سعر الفائدة على الودائع لجذب مدخرات الدولار، انضم الكثيرين بسرور لهذه العملية. وبين عامي 2015 و2019 ، ارتفعت ودائع المقيمين في لبنان بالعملات الأجنبية (خاصة الدولار) بمقدار 20 مليار دولار، معظمها على شكل ودائع ذات فائدة مرتفعة في المتوسط خلال سنة واحدة.
في موازاة ذلك، تمتع المودعون بفرض ضرائب منخفضة على دخل الثروات والفوائد، والذي بالكاد ارتفع في الآونة الأخيرة، ولكنه لا يزال أقل بكثير مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى. أُنفق هذا الدخل الذي حصل عليه الكثير من اللبنانيين على سلع مستوردة غالية الثمن وغير ضرورية في الغالب، مما زاد حاجة البلاد إلى المزيد من الدولارات لتمويل هذه الواردات.
إذا ما الذي يمكن فعله؟ يمكنك أن تبدأ بالحد من استهلاكك غير الضروري، وأخذ قروض أقل، وتقبل انخفاض أسعار الفائدة على مدخراتك –بالطبع، يجب على كبار المودعين أن يكونوا القدوة أولاً في هذا الإجراء. يجب أيضًا عدم الجري إلى المصرف لسحب الأموال التي لا تحتاج إليها، لأن هذا قد يسبب في الواقع مزيدًا من الذعر وشح في الأموال لدى لجميع. ويجب أن تستمر في الاحتجاج، لأن الحكومة “النظيفة” الجديدة هي حجر الزاوية لاستعادة الثقة في النظام وتنشيط اقتصادنا.
في موازاة ذلك، ينبغي على المصرف المركزي وجمعية المصارف الحفاظ على ما تبقى من سمعتهم من خلال توضيح الإجراءات المتبعة وجعلها أكثر عدالة وموحدة في جميع المصارف. يتعين على مصرف لبنان إصدار تعميم لتوحيد جميع أشكال الضوابط والرسوم، مع استثناءات واضحة للتجار والحالات الخاصة. يستحق الناس المسؤولية والوضوح والشفافية في هذه الأوقات الصعبة.