غالباً ما تكون النظرة العامة للاجئين السوريين في لبنان مغلّفة بالعنصرية والسلبية والتمييز. إذ يدعم معظم اللبنانيين الخطاب المناهض للاجئين، الأمر الذي يُبعدهم عن المجتمع اللبناني كله ويجبرهم على العيش في ظروف مزرية وقاسية.
والخطاب الشعبي السائد أن وجود حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري هو حمل ثقيل ويشكّل تهديداً لأمن البلاد، إلاّ أن العكس هو الصحيح. وأحد أكثر المواضيع التي تناقش في السنوات الاخيرة هو تأثير اللاجئين على الاقتصاد وعلى سوق اليد العاملة في الدول المضيفة.
ويروّج الشعب اللبناني لفكرة أن اللاجئ السوري هو “سارق الأعمال”، وأنه من يُهيمن على سوق العمل، غير أنّ دراسة أعدّتها “لجنة الإغاثة الدولية” تُظهر أن “المنافسة في سوق العمل هي بالدرجة الأولى بين اللاجئين السوريين والعمّال الأجانب وليس مع المجتمعات المضيفة”. تُظهر الإحصاءات أن ما يقرب من 50٪ من اللاجئين السوريين يعملون في قطاعي الزراعة والبناء مقارنة بـ 14٪ من اللبنانيين، الذين يفضلون وظائف تتطلب مهارات عالية.
كما تلفت الدراسة الى أن العمّال السوريين كانوا يشكّلون جزءاً من اليد العاملة المهاجرة في المنطقة قبل بداية الصراع السوري .
ومن أبرز ما استخلصته الدراسة هو أن أغلب اللاجئين السوريين “يعملون بالقطاعات الكبيرة غير الرسمية للمجتمعات المضيفة”، لذلك لا يشكّلون أي خطر على فرص العمل الخاصة باللبنانيين.
ليس ذلك فقط، بل إن الدراسة تشير بوضوح الى أن معدّلات البطالة المرتفعة هي “ظاهرة موجودة في أسواق العمل في المنطقة”. هذا هو الواقع وليس نتيجة وجود اللاجئين السوريين في البلد.
وبخلاف ما هو سائد تظهر الأبحاث الحديثة أن الأزمة السورية أدّت الى حدٍ كبير الى خلق فرص عمل في البلدان المحيطة الحاضنة “بسبب الوجود المتزايد للمنظمات الانسانية وزيادة الطلب على اليد العاملة في قطاعات خدماتية أخرى”.
في الواقع إن وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين وفّر للسوق “عدداً كبيراً من اليد العاملة المتدنيّة الأجر ما سمح لعدد كبير من الشركات اللبنانية بخفض كلفة الرواتب والتكاليف الاجمالية بشكل عام في ظل ظروف صعبة -مرتبطة بعوامل خارجية وليس بوجود العدد الهائل للاجئين– للتمكّن من تخطي الأزمات المتتالية التي شهدها البلد منذ العام 2011، إضافة الى ذلك لزيادة المنافسة بين شركات معيّنة” وفقًا لمقال نشرته الأمم المتحدة عام 2017.
وقدّرت منظمة العمل الدولية في حينه أن 88% من اللاجئين يتقاضون 40% أقل من الحد الأدنى للأجور في لبنان، ما يعادل 280 دولار شهرياً. اليوم ومع بداية الأزمة الاقتصادية والمالية، هذا المبلغ انخفض بشكل كبير ليصل الى حوالي 16 دولاراً شهرياً.
حقوق السوريين الإنسانية في خطر
في مناطق كشمال لبنان، أفيد بأن أطفال اللاجئين السوريين يتقاضون ما معدّله 4 دولارات في اليوم الواحد.
واللاجئون السوريون فئة مستضعفة وهي عرضة للاستغلال بسبب تدنّي أجورها. عمالة الأطفال من بين أمور أخرى “في ارتفاع دراماتيكي في البلاد المضيفة مدفوعة إلى حد كبير بالعدد المتزايد من الأطفال السوريين اللاجئين العاملين”.
ويشجّع وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين على العديد من الانتهاكات لحقوق الانسان على حساب اللاجئين السوريين، أغلبها لمصلحة الشركات اللبنانية والاقتصاد اللبناني في المجمل. حتى أن بعض أصحاب العمل رفضوا توفير رعاية طبيّة أو تأمين صحّي لهم، ما خفّض كلفة اليد العاملة بشكل أكبر، كل هذا مع تحقيق زيادة في الانتاجية.
ليس هذا فحسب، فإن التدفّق الهائل للاجئين في السنوات القليلة الماضية زاد من الاستهلاك المحلي. بالارتكاز على عدد اللاجئين السوريين المسجّلين رسمياً لدى الأمم المتحدة. ووفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذا الاستهلاك بلغ 1.5 مليار دولار سنوياً.
ويشير التقرير إلى أن “هذا أدى إلى زيادة الاستهلاك الخاص، الذي يعد أحد المكونات الرئيسية للناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي ساهم ولو بشكل متواضع بالنمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة. ويبلغ حجم مدخول سوق الإيجار وحده حوالي 50 مليون دولار أميركي، ناهيك عن الإيجار المدفوع لأصحاب الخيام في المخيّمات غير الرسمية، والذي يتراوح في المتوسط بين 100 و 160 دولاراً أميركياً لكل أسرة”.
كما تمت الإشارة إلى أن شراء السلع والخدمات الأساسية يُعزّز الإيرادات عن طريق ضرائب الاستهلاك. ليس ذلك فحسب، إذ استقر البعض من أغنى سكان دمشق وحلب في بيروت في بداية الأزمة، وحوّلوا الكثير من أموالهم إلى البنوك اللبنانية وساهموا في النمو الاقتصادي في البلاد، مهما كانت النسبة ضئيلة.
كما يتلقّى لبنان سنوياً حوالي 1.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لتوفير الإغاثة للاجئين. لذا من المحتّم أن يؤدّي هذا التدفق الكبير للأموال سنوياً إلى خلق شكل من أشكال النمو الاقتصادي.
بينما يقضي اللبنانيون معظم وقتهم في الشكوى من وجود اللاجئين في البلاد، فإنهم غالباً ما يتغاضون عن العديد من الاستغلال والانتهاكات التي يمارسونها تجاههم باسم “الإجراءات التجارية” و”النمو الاقتصادي”.
باختصار، ساهم وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين في البلاد بشكل إيجابي في النمو الاقتصادي، على حساب حقوقهم.