بعد مرور أشهر عدة على “جريمة” انفجار مرفأ بيروت لم يتوصل التحقيق إلى معرفة الفاعلين أو المتدخلين أو المحرضين أو المقصرين، واكتفى بتوقيف بعض الأشخاص في إجراء لا يتوافق مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
أيام تفصلنا على الذكرى السنوية الأولى لجريمة العصر، ولا يزال الناجون من انفجار المرفأ وأهالي الضحايا يريدون مطلباً واحداً وهو: “معرفة الحقيقة”، حقيقة مَن أدخل المواد الخطيرة إلى لبنان، وحقيقة مَن أمر بتخزين هذه المواد في العنبر رقم 12، وحقيقة من خالف القوانين أو أهملها حتى حصلت الجريمة.
تحقيقات أمنية لبنانية وفرنسية وأمريكية، وتحقيقات صحافية استقصائية ومقابلات وتحليلات وتصريحات، واهتمام دولي فيما القضاء اللبناني عاجز عن التوصل إلى الحقيقة، فهل فشل القضاء اللبناني في إجراء التحقيق؟ أو أن عوامل عدة أخّرت مجرى التحقيق فغابت الحقيقة؟
قضاء فاشل؟!
الباحثة في شؤون لبنان في منظمة “هيومن رايتس ووتش” آية مجذوب رفضت اتهام القضاء اللبناني بالفاشل، ولكن قالت في حديث إلى “بيروت توداي”، “إن اللبنانيين لديهم تجربة مع القضاء في قضايا كبيرة في لبنان وأصبحت مسيّسة، أو لم يتوصل فيها إلى معرفة الحقيقة، لاسيما في جرائم الإغتيالات أو الفساد أو استخدام العنف ضد المتظاهرين”.
وذّكرت بأن القضاء اللبناني أثبت مراراً وتكراراً في بعض القضايا أنه لا يستطيع التوصل إلى الحقيقة، أو لا يريد أن يحاسب الطبقة السياسية على جرائم ترتكبها بحق الشعب اللبناني، مشيرة إلى أن هذا الأمر يعود إلى تركيبة القضاء اللبناني الذي يخضع للتوزيع الطائفي والمحسوبيات السياسية للقضاة من تعيينهم حتى خلال ممارسة عملهم.
فالقضاء يتبع للسلطة السياسية، وهذا كان واضحاً، بحسب مجذوب، خلال التظاهرتين اللتين حصلتا في 19 نيسان الماضي الأولى لأنصار تيار “المستقبل” المؤيدة للنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات تقابلها تظاهرة ثانية لانصار”التيار الوطني الحر” مؤيدة للنائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون.
بعثة تحقيق دولية
وإذ شددت مجذوب على أن تشكيل بعثة تحقيق دولية ومستقلّة ومحايدة هو الحل لمعرفة الحقيقة في جريمة انفجار مرفأ بيروت، أوضحت أن البعثة سترسل نتائج تحقيقها واستنتاجاتها إلى السلطات القضائية اللبنانية المختصة، شارحة أن “هناك شقين في العدالة، الأول: الحقيقة وهذا مطلب أهالي الضحايا والجميع، والثاني: تحديد المسؤولين عن الجريمة”، جازمة بالقول: “الحقيقة ليست كل العدالة ولكنها نوع منها”.
وحضت 53 من المنظمات الحقوقية اللبنانية والدولية والأفراد، و62 من الناجين وعائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت، في رسالة مشتركة، الدول الأعضاء في “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” (مجلس حقوق الإنسان) على إنشاء بعثة تحقيق دولية ومستقلّة ومحايدة، على غرار بعثة لتقصي الحقائق لعام واحد، في الانفجار الذي وقع في 4 آب 2020.
وأوضحت مجذوب في حديثها لـ”بيروت توداي” أن أي قرار يصدر عن أي بعثة تحقيق دولية يكون علناً ويستطيع الجمهور الإطلاع عليه، ولهذا الأمر ايجابيات خصوصاً أن هناك من الضحايا يحملون جنسيات غير لبنانية، فيستطيع أهاليهم مقاضاة الفاعلين أمام محاكم بلادهم، وعندها تصدر مذكرات توقيف دولية بحق المتهمين.
عيوب في التحقيق
وفي أعقاب انفجار المرفأ، وعد المسؤولون اللبنانيون بإجراء تحقيق سريع وشفاف. لكن الأشهر العشرة التي تلت الانفجار لم تشهد سوى العرقلة والتهرب والتأخير. ووثّقت “هيومن رايتس ووتش” عيوبا عدة في التحقيق المحلي ما يجعله غير قادر على إحقاق العدالة بمصداقية.
مجذوب، الناطقة باسم “هيومن رايتس ووتش”، شرحت لـ”بيروت توداي” ان تسييس القضاء ليس العيب الوحيد الذي يصيبه، بل هناك عيوب أخرى رافقت جريمة المرفأ، لاسيما احالة القضية إلى المجلس العدلي الذي لا يخضع لأي طرق المراجعة أو الإستئناف، ولا يتوافق مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة ومع مجموعة مبادئ الأمم المتحدة الموقع عليها لبنان، ومع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ورأت أن حصر التحقيق بمحقق عدلي واحد يؤدي إلى عرقلته أو إطالة أمد التحقيق، خصوصاً أن قضية انفجار المرفأ من أكبر القضايا التي تمر على القضاء اللبناني وتتضمن ملفات ومستندات منذ العام 2013 .
وبحسب المنظمة تتضمن العيوب التدخل السياسي السافر، والحصانة للمسؤولين السياسيين الكبار، وعدم احترام معايير المحاكمات العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.
في 10 آب الماضي، أحالت الحكومة اللبنانية انفجار بيروت إلى “المجلس العدلي”، محكمة خاصة بدون إجراءات استئناف. لم تصدر أي لوائح اتهام، لكن وُجّهت التهم إلى 37 شخصا، 19 منهم موقوفون حاليا في ظروف تبدو إنها تنتهك حقوقهم بالإجراءات القانونية الواجبة.
حقوق الموقوفين
وتحدثت مجذوب عن حقوق الموقوفين الذين أوقفوا منذ 10 أشهر قبل المحاكمة وهذا لا يتناسب مع المعايير الدولية ، خصوصا أن الحبس لفترة طويلة قبل البدء بالمحاكمة يناقض حقوق الإنسان.
وإذ كشفت أن الموقوفين لا يعرفون التهم الموجهة إليهم أو المواد القانونية لتحديد الجرم، أوضحت أن الموقوفين متهمون بتخزين مواد خطرة، لافتة إلى أن لائحة الإدعاءات واحدة من مدير المرفأ الى عامل الصيانة الذي كان “يلحم” باب العنبر 12.
وفيما نقلت عن محامي المتهمين قولهم أن الموقوفين تم حبسهم في الفترة الأولى من دون مذكرة توقيف، تحدثت عن تدخلات سياسية وضغط سياسي كبير في هذه القضية.
وفي 18 شباط الماضي، قامت محكمة التمييز الجزائية بتنحية المحقق العدلي القاضي فادي صوان عن التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت، على خلفية طلب وزيرين سابقين ونائبين في البرلمان ادعى عليهما صوان، بنقل الدعوى إلى قاض آخر معتبرين أنهما يتمتعان بحصانة دستورية.
وشرحت أن هناك أكثر من جزء في التحقيق، لاسيما أسباب الإنفجار في 4 آب ويرتكز على مسرح الجريمة حيث أجرى فريقان فرنسي وآخر من “أف بي آي” كل على حدا تحقيقاً وقدمه إلى القضاء اللبناني، أما الجزء الآخر والأهم فهو من هم السياسيون أو السلطات التي سمحت بدخول هذه المواد الخطرة إلى لبنان.
ألم يحن الوقت؟
إن سقوط 217 شخصاً، وإصابة نحو 7 آلاف، بينهم 150 أُصيبوا بإعاقة جسدية، وتهجير أكثر من 300 ألف شخص، ألا يستاهلون إنشاء لجنة تقصي حقائق تعيد الثقة لهم واللبنانيين ببلدهم عبر معرفة الحقيقة، والوصول إلى العدالة، ووقف ثقافة الإفلات من العقاب؟ وألم يحن الوقت ليتدخل مجلس حقوق الإنسان، ويستمع إلى دعوات عائلات الضحايا والشعب اللبناني المطالبة بالمحاسبة؟