يواصل لبنان، منذ انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون في العام 2016، انحداره في مؤشر حريات التعبير متوجهاً إلى أسفل الدرك نتيجة إقدام الأجهزة الأمنية على اتباع سلوك لا ينسجم مع مبادئ لبنان الذي قام عليها من حرية وديمقراطية، وبات هناك خيط رفيع يفصل بين دولة الحريات وبين الدولة البوليسية.
وجاءت الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية المتتالية التي تعصف بالبلد لتزيد الطين بلة، ويتراءى للبعض إلى أن اللبنانيين انشغلوا عن حريتهم وديموقراطيتهم وباتوا يفتشون عن لقمة عيشهم، إلا أن العالم أجمع يدرك أن اللبناني يتنفس حرية وطالما أن هناك أصوات تقول ”لا“ في وجه سلطة جائرة فإن الحرية باقية ولا خوف عليها، رغم المؤشرات السلبية إلى تزايد الانتهاكات لحرية الصحافة.
مؤشّر ”حرية الصحافة“
وبات لبنان في المركز الـ107 ضمن مؤشّر ”حرية الصحافة“ العالمي للعام 2021، متراجعاً 5 مراكز عن السنة الفائتة، بعدما كان يحتل في عام 2015 المركز الـ98 عالمياً، وفقاً للتقرير السنوي الذي تصدره منظمة ”مراسلون بلا حدود“.
وتعليقاً على هذا المؤشر، تساءل نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي عن المعايير التي اعتمدت، وقال لـ”بيروت توداي“: ”إذا ضمت للمؤشر وسائل الإعلام الكلاسيكية والمتعارف عليها، مقرونة بوسائل التواصل الإجتماعي فصحيح هناك انتهاكات بحق الناشطين وجرت ملاحقات ودعاوى رفعت بحقهم واذا تمت الإضافة الإنتهاكات بحق الصحافيين فيكون التصنيف قريباً من الواقع“.
وإذ لاحظ أن وضع الحريات الصحافية في تراجع كما بيّنت منظمة ”مراسلون بلا حدود“، رأى أن هناك فرصة لصون الحرية وابعادها عن الخطر، وذلك عبر عمل مشترك بين النقابة والصحافيين للضغط من أجل الوصول إلى قاعدة أساسية مفادها أن الصحافي ”خط أحمر“.
وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية يجب أن تتعامل مع الصحافي بهدوء والإبتعاد عن القوة المفرطة والعنف، واعطاؤه مساحة أوسع، مؤكداً أن هذا الأمر يعطي انطباعاً بأن الحرية والديموقراطية متوافرتان في لبنان وإلا للأسف ستستكمل حلقة التقارير كما ورد في ”مراسلون بلا حدود“ وسيصنف لبنان أكثر فأكثر في خانة البلدان التي تشهد تقهقراً على صعيد الحريات، ولن تبقى للبنان إلا فسحة قليلة من الحرية فلنحافظ عليها لنقول أن ثمة شعاعة أمل يمكن تلمّسها في هذا البلد.
وأشارت منظمة ”مراسلون بلا حدود“، في تقريرها السنوي الصادر في اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 أيار الحالي، إلى أن صحيحاً هناك حرية حقيقية في التعبير في وسائل الإعلام اللبنانية، إلا أن هذه الأخيرة تظل مسيَّسة للغاية ومستقطبة إلى حد بعيد، إذ تُعتبر الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية أدوات دعاية لبعض الأحزاب السياسية أو رجال الأعمال.
وأوضحت ألسي مفرج من تجمع ”نقابة الصحافة البديلة“ أن ”الحرية في خطر ولكن لم نفقدها لأن هناك اشخاصاً مصرون على التعبير والكلام، ومواقع التواصل الإجتماعي تلعب دوراً إيجابياً في التعبير عن الحرية“.
الإعتداء على الصحافيين
وشرحت مفرج لـ”بيروت توداي“ أن ”لبنان بات في المركز الـ107 في مؤشر حرية الصحافة لأسباب عدة، بينها إستدعاء الصحافيين من قبل الاجهزة الأمنية أو التعدي عليهم خلال التظاهرات كما حصل أمام ثكنة الحلو في بيروت“.
وفي 15 كانون الثاني 2020 أقدم عناصر من مكافحة الشغب التابعين لقوى الأمن الداخلي على الاعتداء بالضرب على نحو 15 صحافياً، وتم تكسير معداتهم، ومنعوا من التصوير، ورميت عليهم القنابل المسيلة للدموع.
وأوضح القصيفي أن ”الإعتداءات منذ الإنتفاضة في 17 تشرين الأول وحتى اليوم، والتي جرت من قبل الأجهزة الأمنية أو ”قوى أخرى“، مرفوضة ووقفنا في وجهها وكانت لنا نداءات ولقاءات مع كبار المسؤولين بينهم وزير الداخلية وأبلغناهم استنكارنا لهذه الإجراءات“، مذكراً بأن ”النقابة اتخذت موقفاً مميزاً داخل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على أثر ما تعرض له الصحافيون والإعلاميون خلال المواجهات التي حصلت امام ثكنة الحلو، ورفضنا التعرض لأي اعلامي أو صحافي أو أي مواطن حتى لو لم يكن منتسباً الى النقابة ووقفنا الى جانب الجميع“.
من جهتها، ذكّرت مفرج بأن اعتداءات حصلت على المتظاهرين بينهم صحافيون خلال انتفاضة 17 تشرين الأول وبعدها واستخدمت الأجهزة الأمنية أسلحة وذخائر يمنع استعمالها دولياَ ضد الأفراد، لاسيما الرصاص أو القنابل المتفجرة أو المسيلة للدموع وإطلاق الرصاص المطاطي عن مسافة قريبة بشكل مكثف، ما سبب بتراجع لبنان 5 مراكز عن السنة الفائتة في مؤشّر ”حرية الصحافة“ العالمي للعام 2021
ولفتت إلى أن الدولة تنزلق الى التحوّل إلى ”دولة أمنية“، ولكن طالما أن هناك أصوات تقول ”لا“ وترفض التعديات فلذلك لم ولن نتحول إلى ”دولة بوليسية“.
استدعاء صحافيين
ويخضع الصحافي في لبنان الى قانون المطبوعات الذي ينظم أصول ملاحقته والمراجع الصالحة لذلك، في وقت نشهد استدعاء عدد من الاعلاميين الى مراكز المعلومات أو المحكمة العسكرية، لكن المرجع الصالح للبت بأي نزاع مع صحافي هو محكمة المطبوعات.
”قانون المطبوعات هو مرجعية لجميع الإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام الشائعة والمعروفة وأي مساءلة تكون أمام محكمة المطبوعات“… قال القصيفي بنبرة قوية وبشكل حازم لا لبث فيه. وميّز نقيب المحررين بين الصحافي الذي يمارس عمل الصحافة وبين الناشط أو المدون عبر مواقع التواصل الإجتماعي، داعياً الدولة إلى سن قانون ينظم وسائل التواصل الإجتماعي.
وتسود إشكالية اليوم مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، فهل يخضع الناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي إلى محكمة المطبوعات أم الى المحاكم العادية وما يتعلق ذلك من توقيفات.
وتتفق مفرج مع القصيفي بضرورة مثول الصحافي أمام محكمة المطبوعات في اي دعوى تتعلق بحرية الرأي، ورفضت مثول الصحافيين أو الناشطين أمام المحكمة العسكرية وهي ”محكمة استثنائية ويجب أن تنظر في القضايا العسكرية فقط“.
وذكّرت بأن ”لبنان كان يتغنى بكثير من الحريات ولا يزال ، فهو يتمتع بنفس من الحرية ولا أحد يستطيع أن يقمعه“، وأوضحت أن تجمع ”نقابة الصحافة البديلة“ يهتم بقضايا الصحافيين والمدنيين، وأي توقيف يطال أحداً يكون له موقف عبر مواقع التواصل الإجتماعي أو التحركات الميدانية للضغط من أجل دعم الحريات في لبنان وتشكيل قوة ضغط وقوة تأثير على الرأي العام الداخلي والعالمي.
الإعتداء حتى الموت
يبدو أن الإعتداءات على الصحافيين والناشطين والمفكرين وصلت الى حد القتل كما حصل مع الناشط السياسي والحقوقي، مدير مركز ”أمم للأبحاث والتوثيق“، لقمان سليم، فهل باتت الحرية في خطر؟
أجاب عن هذا السؤال النقيب قصيفي الذي اعتبر أن مقتل الناشط السياسي والحقوقي لقمان سليم جريمة نكراء ومرفوضة ومدانة ويجب أن يبلغ التحقيق القائم على خواتيمه لكي تتحدد المسؤوليات بصرف النظر إذا كان المغدور صحافياً أو حقوقياُ أو ناشطاً للرأي.
وأكد ”أننا نتضامن مع كل إنسان تحت عنوان الحرية، ونتعاطف مع حرية الرأي والفكر والقول والكتابة عند الجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم“.
أما مفرج فلاحظت أن ”الحرية في خطر لأن هناك عودة لفترة مشابهة لمرحلة وجود النظام السوري في لبنان، لاسيما لناحية الملاحقات بحق الصحافيين أمام المحكمة العسكرية أو مخابرات الجيش ناهيك عن بدعة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية الذي يلزم إبرام الصحافيين أو الناشطين تعهدات اجبارية رغم عدم صلاحيته بالنظر في دعاوى الحريات“.
اختلفت أشكال التعابير وكثرت وسائل التواصل إلا أن أساس قيام لبنان هو الحرية والتي تميزه عن باقي الدول المحيطة، والحفاظ على الحرية لا يقل شأناً عن الحفاظ على الأرض والشعب والسيادة، فطالما الحرية بخير، لبنان بخير.