Photo via Al Hurra

الشباب اللبناني… بين انعدام الفرص محلياً والنجاح في بلدان الاغتراب 

الشباب اللبناني منتشر في جميع أنحاء العالم يبحث عن فرص عمل بعيداً عن وطنه الذي يعاني من التضخم، وانعدام فرص العمل والتنمية، معظمهم يدرسون أو يعملون، والبعض الآخر يحاول فقط بناء حياة في بلدان الاغتراب بعيداً عن حياتهم في وطنهم الأم، ودائماً ما نسمع بتألق الجالية اللبنانية في دول الاغتراب في مختلف الأعمال والمسابقات التي يخوضنها بحثاً عن حياة مستقرة. 

يُعد الفوز الأخير للبطل اللبناني إلياس أبو جودة في مسابقة أفضل موظف استقبال الأحدث لإنجازات اللبنانيين في بلدان الاغتراب بعدما حاز على المرتبة الثانية في المسابقة، وحقق أبو جودة هذا الإنجاز الكبير بفضل مهاراته العالية والخبرات العملية التي اكتسبها في لبنان، ونقلها إلى دولة الإمارات، وهو إنجاز يشكل لللبنانيين، ودليل على امتلاك معظمهم لقدرات ومهارات تجعلهم ناجحين في بلدان الاغتراب.

فقد دفعت الأزمة المالية المتفاقمة في لبنان، بالإضافة إلى انهيار العملة المحلية نحو 80 في المائة من السكان إلى الفقر، مما شجع أصحاب الشهادات الجامعية والمهنيين الشباب على مغادرة البلاد بحثا عن فرص ورواتب أفضل بالعملة الأجنبية، حيثُ بلغت هجرة الشباب إلى دول الاغتراب للبحث عن فرص أفضل أعداداً قياسية.

وأدى الاقتصاد المنهار وعدم اليقين السياسي العميق المقترن بالتضخم المفرط إلى تفاقم نقص المواد الأساسية في مختلف المدن اللبنانية، بما في ذلك الغذاء والوقود والأدوية والكهرباء، حيث يوجد 4 من بين كل 10 أشخاص عاطلون عن العمل، في حين أن انخفاض العملة يعني انخفاضاً حاداً في الأجور.

لكن هذه الأزمة المتفاقمة كان سبباً أيضاً بتوجه أبو جودة إلى الإمارات، ومنحته الفرصة للفوز بالمركز الثاني لأفضل مشارك بين المشاركين الـ17 المتأهلين للنهائي الكبير في المسابقة التي تديرها الجمعية الدولية لمديري مكاتب الاستقبال التي تأسست في عام 1964.

وقال أبو جودة لموقع “بيروت توداي”:” أكبر تحدي واجهته بالفعل، كان قبل المسابقة لأنني أعمل في منتجع سياحي يضم عدداً كبيراً من الزبائن، حيث كانت الفترة الأخيرة مليئة بالأشغال”، وتابع مضيفاً “كانت قدرتي على التحضير ضئيلة بسبب وقتي. لم يكن لدي الوقت الكافي لكنني كنت دائماً أجد الوقت بعد العمل أو حتى على الحافلة، لأن رحلة العودة من العمل إلى المنزل تستغرق ساعة واحدة، وفي هذا الوقت كنت أقوم بالبحث والقراءة، حتى مع الوقت المحدود الذي كنت امتلكه، كنت أجد الوقت للتحضير”.

بالطبع لن تؤدي هجرة العقول إلا إلى الحد من قدرة لبنان على الانتعاش والتقدم، وقد تؤدي أيضاً إلى تحولات ديموغرافية، حيث يشهد لبنان اتساعاً في الفئة غير المنتجة ونقص في الفئة المنتجةن على الرغم من أنه يُصنف على أنه سياحي بسبب رغبة الكثيرين بزيارته، ولكن يشهد أيضاً مغادرة شبابه للبحث عن الفرص في دول أخرى لتساعدهم على النجاح، وهي ليست موجودة في لبنان فقط، بل هذه الصفة موجودة بين الشباب في مختلف الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية. 

وهذا ما دفعنا لسؤال أبو جودة عن نقاط القوة التي جعلته يحصل على المرتبة الثانية في المسابقة، يرفض أبو جودة في البداية فكرة تميزه عن زملائه موظفي الاستقبال الآخرين، موضحاً أن إحدى نقاط قوته “كانت التجارب العالمية التي مررت بها في دبي”، فقد ساعده تعامله مع شركات عالمية، ومقابلته لأشخاص من جنسيات مختلفة في “على نظرة ثاقبة حول كيفية تفكير الأشخاص المختلفين وردود أفعالهم”.

المنافسة هي دائماً باب يفتح باباً آخر، ويشتهر اللبنانيون مثل باقي الشعوب بشغفهم بالتفوق والاستمرار في الارتقاء إلى مناصب وفرص عمل أفضل، ويواجه أبو جودة بعد حصوله على تغطية إعلامية دولية نقطة تحول في حياته المهنية، حيث  عليه أن يقرر ما إذا كان يريد السعي لتحقيق المزيد من النجاح أو الحفاظ على مكانته.

يقول أبو جودة عن خططه المستقبلية: “سأستخدم كل الخبرة التي اكتسبتها في هذا العام ونصف العام للنمو والتوسع والتألق في مسيرتي ولدي خطط للانتقال عالمياً، ولكن ليس في الوقت الحالي لأنني أحب العيش في دبي لأنها آمنة جداً وأشعر بالاحترام أينما ذهبت”.

​​على الرغم من أن أبو جودة كان يمثل الإمارات في المسابقة، إلا أن قلبه وعقله كانا يمثلان أيضاً وطنه، وهو عبر عن ذلك بالقول: “كنت سعيداً بتمثيل عائلتي وأصدقائي وزملائي في لبنان الذين ساعدوني في الوصول إلى هذه الخطوة، كما أنني استغليت هذه الفرصة لمعالجة المفاهيم الخاطئة لدى الناس حول لبنان، حيث يعتقدون أنها مجرد صحراء”. 

ويقول إلياس أبو جودة في نهاية حديثه لـ”بيروت توداي”: “لقد أخذت الوقت الكافي للحديث عن كيف كان للبنان خدمات ضيافة مذهلة قبل الأزمات، وهذه الخدمات تنبع من البيوت والعائلات المضيافة في لبنان”، مضيفاً “من توزيع الطعام خلال انتفاضة 17  أكتوبر إلى فتح منازلنا للجميع، فمن الجذور اللبنانية أن تكون مضيافاً للغاية، وهي الصفات التي أحملها معي للعمل”.

وفي النهاية، على الرغم من أن هجرة العقول التي يعاني منها لبنان تمنعه من التطور، فإن المغتربين اللبنانيين يسجلون نجاحات في حياتهم المهنية في دول الاغتراب، والتي نسمع عنها دائماً في وسائل الغربية أو العربية.