اجتمع المجلس النيابي يوم الثلاثاء في 29 آذار (مارس) 2022 في جلسته العامة في اليونسكو، حيث أقر تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى تاريخ 31 أيّار (مايو) 2023 متذرعًا بالصعوبات اللوجستية، نظرًا لتزامن الانتخابات البلدية مع موعد إجراء الانتخابات النيابية. أما اليوم فيتم البحث في دستورية الانتخابات النيابية في حال الشغور الرئاسي الذي يشهده لبنان، وذلك بعدما عجز المجلس النيابي عن انتخاب رئيس للبلاد. كما أن تحوّل الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي لحكومة تصريف أعمال، إبان انتهاء ولاية ميشال عون، يزيد الأمور تعقيدًا. إنما مع كل العقبات القانونية المتذرّع بها، فأن المبادئ الدستورية كمبدأ دورية الانتخابات والانتظام العام، والقرارات الصادرة عن المجلس الدستوري سابقًّا (القرار 1\1999، 1\2005) تؤكد على وجوب إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، وذلك تحت طائلة مسائلة حكومة تصريف الأعمال.
يدفعنا هذا التأجيل في إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية والجدل القانوني القائم حولها إلى التساؤل عن صلاحيات البلديات، ونوايا أطراف النظام اللبناني. خاصةً بعدما أدّت الانتخابات النيابية الأخيرة إلى وصول شخصيات معارضة إلى المجلس النيابي. إنما ينبغي توضيح التباين ما بين القانون الانتخابي للمجلس النيابي وذلك البلدي، إذ يؤثر بشكل كبير على إمكانية قوى المعارضة بتحقيق أي فوز ملموس.
يُعرّف التشريع اللبناني البلدية على إنها “إدارة محلية… تتمتع البلدية بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري”، وانطلاقًّا من هذا التعريف يمكن تقسيم صلاحيات البلديات إلى فئتين.
ترتبط الفئة الأولى بالشّق المالي، ومن أبرز هذه المهام وضع المجلس البلدي موازنة البلدية وتولي مسؤولية قطع حساب الموازنة والقروض على أشكالها، وتحديد معدلات الرسوم البلدية. أما الفئة الثانية فهي من النوع الإداري، ومن أبرزها تولي المجلس البلدي وضع دفتر الشروط لصفقات اللوازم والأشغال والخدمات وبيع أملاك البلدية، بالإضافة لتخطيطالطرق وتقويمها وإنشاء الساحات العامة والمستشفيات و المستوصفات والملاجئ والمسكان الشعبية والمجارير ومصارف النفايات وأمثالها. أخيرًا، إن المجلس البلدي مسؤول عن تنظيم النقل وتحديد تعرفته مع مراعاة أحكام القوانين النافذة، بالإضافة لوضع البرامج العامة للأشغال والتجميل والتنظيفات والشؤون الصحية ومشاريع المياه والإنارة.
تصوّر الاستحقاقات الأخرى، كالاستحقاق الرئاسي أو النيابي كأنها مصيرية لحقوق طائفةً ما أو على أنها أساسية للتخلص من محور ما وتعزيز العلاقات مع محور آخر. في حين أن الانتخابات البلدية ما زالت تعتبر ذو دور ثانوي في الوعي العام لدى اللبنانيين. لكن إذا ما راجعنا صلاحيات المجالس البلدية والاختيارية، وأبرز الأزمات التي طرأت على البلديات في السنوات التي تلت انهيار عام 2019، يظهر لنا واقع مغاير. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن عدم أهلية الطرقات العامة واستيفائها لشروط السلامة العامة وغياب الإنارة عنها، هي المسبّب الأساسي لوفيات الشباب اللبنانيين بحسب رئيس الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية، علمًا أن هذه المهام هي من مسؤولية المجالس البلدية لا النيابية. فضلًا عن أن تقاعس المجالس البلدية للقيام بهذه المهام سنح الفرصة لشخصيات انتهازية لتقديم خدمات الإنارة والحلول مكان الدولة لقاء الولاء السياسي.[i] ومن النكبات الأخرى التي أصابت البلديات، حادثة طوفان لأوتوستراد الساحليّ في منطقة كسروان نتيجة تقاعس البلديات عن تقويم الطرق وتنظيف مجاري المدينة، إذ أدّت إلى أضرار بشرية ومادية جسيمة. [ii] هذه المآسي التي أصبحت من يوميات اللبنانيين، لا ترتقِ لتشكّل الزخم المعارض الذي سبق الاستحقاق النيابي وأدى إلى دخول شخصيات معارضة إلى المجلس النيابي.
إن الاختلاف ما بين القانون الانتخابي النيابي وذلك البلدي هو اختلاف بسيط بمعظمه يتناول أمور شكلية. إذ إنه على سبيل المثال لا الحصر، يتالّف المجلس النيابي من 128 نائبًا، في حين أن عدد أعضاء المجلس البلدي يختلف من دائرة إلى أخرى، وذلك بحسب عدد الأهالي المسجلين في كل بلدية. أمّا فيما يخّص الإعلان الانتخابي المدفوع فيسمح بالدعاية والإعلان خلال الانتخابات النيابية ضمن أحكام محددة، فيما يحظر الإعلان خلال الحملة الانتخابيّة البلدية، وذلك من تاريخ دعوة الهيئات الانتخابيّة حتى إجراء الانتخابات وإعلان النتائج النهائيّة تحت طائلة التعطيل والإقفال التام.
لعلّ الاختلاف الأبرز ما بين قانون الانتخابات البلدية والنيابية، هو في قدرة اللبنانيين القاطنين في دول أخرى على الاقتراع. يمكن بطبيعة الحال للمغتربين العودة بغية الاقتراع في الانتخابات البلدية، لكن لا تنظّم الدولة اللبنانية مراكز اقتراع في “بلاد الاغتراب”. وكان قد تسجّل 225.114 ناخبًا في بلاد الاغتراب في الانتخابات النيابية عام 2022، وارتبط هذا الارتفاع بأرقام الناخبين بانتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) والمناخ التغييري الذي عصف بالبلاد عام 2019. وبالتالي فإن غياب هذه الآلية تنعكس سلبًا على حظوظ قوى المعارضة. ذلك عوضًا عن كون قانون الانتخابات قانون أكثري لا نسبي، حيث تؤلف كل بلدية دائرة انتخابية واحدة، فتعتبر مثلًا مدينة بيروت دائرة في الانتخابات البلدية، بينما تقسّم إلى دائرتين في الاستحقاق النيابي.
تواجة القوى التغييرية في هذا الاستحقاق عقبات كثيرة، خاصةً أن نتائج التجربة النيابية لم تكن مقنعة لعدد كبير من قواعد هذه القوى. فهل تكون الانتخابات البلديات نهاية محطّة “الخرق” و”التغيير” التي انطلقت عام 2019؟