“العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم”.. ما كان يصلح قبل 1750 عامًا قبل الميلاد لا ينطبق اليوم بعد تطور البشرية وإلغاء فكرة القتل.
هذا القانون المستمد من شريعة حمورابي يؤكد على أن عقوبة الإعدام سادت منذ القدم كأساس لمعاقبة القاتل، واستمر تطبيقها رغم تطور الحياة المدنية، ولا تزال حتى عصرنا الحاضر مدار أخذٍ وردّ بين مؤيد ومعارض لها.
وفيما تناهض الكنيسة مبدئيًا عقوبة الإعدام، يجيز الإسلام الإعدام في حالات ثلاث حصرًا هي: النفس بالنفس، الردّة بعد الإيمان، وزنى المتزوّج.
ويطبق قانون العقوبات اللبناني عقوبة الإعدام في ثلاث جرائم، وهي: “خيانة الوطن والتعامل مع العدو، والقتل عمدًا عن سابق تصوّر وتصميم، والإرهاب”.
ويعود تنفيذ آخر حكم بعقوبة الإعدام في لبنان إلى عام 2004، في عهد الرئيس الأسبق إميل لحود، وتم إعدام ثلاثة أشخاص بينهم موظف في وزارة التربية لقتله 11 زميلًا له بواسطة سلاح حربي بسبب خلاف شخصي مع مديرته، التي رفضت إعطاءه إجازة.
وفي عام 2008، اقترحت وزارة العدل مشروع قانون، تقدم به عشرة نواب، لإلغاء عقوبة الإعدام، على أن تحل محلها عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة دون عفو أو تخفيض لمدة السجن، غير أن عدم التوافق بين الفرقاء السياسيين انتهى بهذا المشروع في أدراج اللجان النيابية.
النضال مستمر
إلا أن النضال من أجل إلغاء عقوبة الإعدام لم يغب لحظة منذ سنوات عن مؤسّسة الحملة الوطنية لإلغاء عقوبة الإعدام في لبنان، ومؤسسة “الكليّة الجامعية للاعنف وحقوق الإنسان” الدكتورة أوغاريت يونان .
وأوضحت يونان لـ”بيروت توداي” أن: “الدعوات للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام وأن تزامنت مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام هي مسيرة مستمرة، ولا تقتصر على يوم واحد، نتابع نضًالا طويلًا منذ نحو ٢٥ عامًا، وقدمنا مشروع قانون جديد للمرشحين قبل إجرء الانتخابات النيابية الأخيرة، وهناك من مضى على اقتراح القانون”.
ويحتفي العالم في العاشر من أكتوبر( تشرين الأول) من كل عام باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام.
وقالت يونان: “لدينا خطة عمل وندرس الظرف الأفضل بعيدًا عن الإعلام، ولدينا إنجازات إذا أنجزنا قانونًا وأسسنا ثقافة مناهضة الاعدام في المدارس والمجتمعات”، ورأت أن “هناك جدلًا قائمًا ولا ينتهي، وهناك من يعتبر أن العنف هو طريق للحل، وأصبحنا نحو 145 بلدًا ألغت الاعدام”، مشيرةً إلى أن لبنان جمد تطبيق عقوبة الإعدام منذ العام 2004، رغم أنه بدأ في هذا المسار منذ العام 1998.
وأحصت يونان أن لبنان أعدم رسميًا 51 شخصًا منذ الاستقلال، وبالتالي لبنان ليس لديه شهوة الإعدام، ولو شد لبنان همته يستطيع أن يلغي هذه العقوبة لأن الأرضية مهيّأة سياسيًا، وهي تربوية وقانونية ونضالية وإعلامية.
شهوة الإعدام
ورأت أن “هناك من “يشتهي” أن تطبق عقوبة الإعدام بحق أشخاص، وهذا ما رأيناه خلال الثورة التي قامت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 حين علقت المشانق بحق بعض السياسيين، وقالت: “هذا الأمر مخزي لأن من يطالب بالثورة الحضارية السلمية لا يستطيع أن يعيدنا إلى عقوبة الشنق”.
وإذ إنها نفت وجود عراقيل تحول دون إلغاء عقوبة الإعدام، أكدت على أن دراسة الظرف أو التوقيت هي التي تقرر متى يتم إعادة المطالبة بإلغاء العقوبة، معتبرة أن اقتراح القانون لإلغاء عقوبة الإعدام لا يحتاج إلى إجماع، فهناك فريق ضده، وهذه قضية فكرية وعقائدية موجودة في كل دول العالم التي ألغت العقوبة، وهناك فريق آخر متمسك به.
وذكّرت بأن “البشرية ألغت العبودية رغم أنها كانت سارية لقرون، ولا أحد تخيّل أن نصل إلى يوم تلغى فيه، وكذلك أن دولًا ألغت الإعدام، لاسيما الدول الأوروبية التي كانت تعتمد المقصلة حتى وصلنا إلى إلغاء العقوبة ووقعت 145 دولة إلغاء العقوبة وهناك المزيد من الدول، وتاليًا ستنتهي هذه العقوبة عالميًا”.
وتابعت يونان: “يجب أن يكون المجتمع اللبناني أقل عنفًا، فهل نطبق الإعدام بحق شخص ارتكب جريمة، في وقت أن هناك جرائم تقتل البلد، ومن يوافق على الإعدام فكأنه وافق على القتل أو شارك بالجريمة، فهل أريد أن أكون قاتلًا؟”
“عندما نقبل أن تقوم الدولة بالقتل فعندها تسطيع أن تستعمل العنف في أمور عدة”، قالت يونان، التي ختمت حديثها بالتأكيد على أن “الدولة تقتلنا في الشارع أو المعاشات، لذلك لن أعيش في دولة تقتل باسم القانون، ونريد أن يكون لبنان بلدًا حضاريًا ويطبق العدالة ويعيد الحق لأصحابه ونحن ضد الجريمة لذلك نحن ضد الإعدام”.
51 حكمًا
ومنذ العام 1947 حتى آخر حكم بالاعدام في 17 يناير (كانون الثاني) 2004، في عهد الرئيس إميل لحود بحق كل من أحمد منصور وبديع حمادة وريمي أنطوان زعتر، سجل لبنان تنفيذ 51 حكمًا:
19 حكمًا في عهد الرئيس بشارة الخوري، وقع 17 منها في عهد رئيس الحكومة رياض الصلح، بينما نفذ حكمان في عهد رئيس الحكومة سامي الصلح.
ستة أحكام في عهد الرئيس كميل شمعون كان أولها في 26 يونيو (حزيران) 1953 بحق مهدي عباس حسن الشل، وآخرها في 6 يوليو (تموز) 1957 بحق مجيد محمود صافي.
أربعة أحكام في عهد الرئيس فؤاد شهاب، كان أولها في 16 أبريل (نيسان) 1959 بحق ابرهيم النابلسي، وآخرها في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1960 بحق وهبي حسن ضاهر بيرم.
ووقّع الرئيس سليمان فرنجية أربعة أحكام إعدام نفذت في عهد الرئيس صائب سلام، كان أولها بحق جورج حنا لولش، وآخرها في عام 1972 بحق توفيق عيتاني.
وعند اندلاع الحرب الاهلية لم ينفذ إلا حكم إعدام واحد في عهد الرئيس أمين الجميّل بحق إبراهيم طراف في 7 أبريل (نيسان) 1983، وكان شفيق الوزان رئيسًا للحكومة.