بعد توقف قسري عن التعليم لمدة عامين بسبب جائحة كورونا تستعد المدارس الرسمية التي تستقبل الطلاب النازحين السوريين للإعلان عن إطلاق العام الدراسي الحضوري، رغم الحديث عن عوائق قد تطيح بهذا العام.
فالتعليم حق أساسي، والقانون الدولي ينصّ على الحق القانوني لجميع الأطفال في لبنان، بمن فيهم اللاجئين السوريين، في الحصول على تعليم ابتدائي مجاني وإلزامي، وعلى تعليم ثانوي من دون تمييز ما يؤثر ايجاباً على المجتمع .
وتعتبر منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية غير الحكومية، والتي تعنى بحقوق الإنسان، أن “التعليم من الشروط الضرورية لحماية الأطفال في حالات النزوح، وقد يمتد ذلك على مرحلة الطفولة بأكملها”.
إلا أن واقع الحال في لبنان يختلف لما تطمح إليه المنظمات الدولية، فالبلد يعاني من أزمة ماليّة غذّتها أكثر جائحة “كوفيد 19″، ثمّ وقع انفجار مرفأ بيروت، وتوالت المصائب حتى انهارت الليرة اللبنانية وتضخّمت الأسعار، ولم تعد أجور ورواتب المقيمين كافية لتأمين أبسط مقوّمات الحياة وبات نحو 74% من المقيمين تحت خط الفقر الذي يشكّل عائقا أساسيا في وجه التعليم.
اجتماعات ومناقشات
هذه الأمور وغيرها، لاسيما اضراب الأساتذة، باتت تهدد العام الدراسي الخاص بالطلاب النازحين، فيما يسعى المسؤولون المحليون والدوليون على انقاذه، بينهم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأوضحت المتحدثة باسم المفوضية ليزا أبو خالد لـ”بيروت توداي” أنه “تماشياً مع مبادرة العودة إلى المدرسة التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم العالي والتي تهدف إلى معاودة التدريس في جميع المؤسسات التعليمية (على أن يكون حضورياً بشكل تام) لهذا العام الدراسي 2021-22، عقدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المفوضية)، بالاشتراك مع اليونيسف، سلسلة من الاجتماعات لبدء عملية اختيار المدارس الرسمية التي ستعتمد دواماً تعليمياً ثانياً لهذا العام”.
وأشارت أبو خالد إلى أن الاجتماعات اقترنت بـ”مشاورات مع العاملين الميدانيين في ما يتعلق بالمدارس الإضافية التي يمكن استخدامها لاعتماد دوام ثان (بعد الظهر) بناءً على ملاحظات الهيئات الميدانية في القطاع، بما في ذلك التنسيق مع مسؤولي المناطق التربوية في وزارة التربية والتعليم العالي ومديري المدارس”، كاشفة أن المفوضية خلال اجتماعاتها اطلعت على خرائط للاستناد إليها في اختيار المدارس (المناطق التي تسجّل أعلى نسبة كثافة) بحسب المحافظات وتوزيع المدارس”.
وكشفت أن “المفوضية تجري حالياً مناقشات مع الوزارة بشأن المناطق التي تستلزم أكبر قدر من الاهتمام والمدارس التي تشهد توترات اجتماعية والمدارس الرسمية البديلة لتلك التي أغلقت أبوابها في السنوات السابقة بسبب انخفاض نسبة التسجيل فيها، وما إلى ذلك. كما يجري وضع اللمسات الأخيرة على قائمة مدارس الدوام الثاني وسيتم نشرها من قبل وزارة التربية والتعليم العالي في الأسبوع المقبل للاسترشاد بها في عملية تسجيل الأطفال اللاجئين في التعليم الرسمي لهذا العام الدراسي”.
طلاب خارج مدارسهم
ولاحظ المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، خلال زيارته إلى لبنان الأسبوع الماضي، أن الأطفال النازحين، الذين تبلغ أعمارهم نحو 12 عاماً، لا يذهبون إلى المدرسة لأنه يتعين عليهم العمل لإعالة أسرهم. وبحسب غراندي، يعيش تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين في البلاد في فقر مدقع فيما يقع نصف اللبنانيين تقريباً تحت خط الفقر.
فالعدد الكبير للأطفال النازحين الذين لا يحصلون على تعليم يعتبر أزمة كبيرة قائمة، ويؤثر سلباً أيضاً على اللبنانيين. وخلال العام الدراسي السابق (2020 – 2021)، بلغ عدد المدارس الرسمية التي اعتمدت دواماً ثانياً 337 مدرسة، وذلك لإلحاق الأطفال والشباب اللاجئين (وغالبيتهم العظمى من السوريين) في التعليم الرسمي النظامي.
وحصلت “بيروت توداي” على إحصاءات لمفوضية اللاجئين تظهر في الجدول الأول أن عدد الأطفال غير الملتحقين في المدارس يبلغ نحو 300 ألف.
أما الجدول الثاني فيوضح كيفية توزيع الطلاب النازحين على المدارس ويبلغ عددهم نحو 321 ألفاً.
خطة لتعليم النازحين
تطرقت المتحدثة باسم “مفوضية اللاجئين” إلى وجود خطة لتعليم الأطفال، وأكدت أن وزارة التربية والتعليم العالي أطلقت في آب 2021 خطة خماسية للتعليم العام توفر إطاراً شاملاً لتحسين إمكانية وصول جميع الأطفال إلى تعليم نوعي ومرن وشامل للجميع، مشيرة إلى أن الخطة توفّر أساساً للعمل المنسق من أجل تأمين الفرص التعليمية لمعالجة الخسائر التي تم تكبدها من جهة التعلّم ورفاه جميع الأطفال المتأثرين جرّاء تعطيل التعلم على مدار العامين الدراسيين الماضيين.
تسجيل الطلاب
وعن تفعيل تسجيل الأطفال اللبنانيين والنازحين في المدارس الرسمية، قالت أبو خالد: “بالنسبة إلى العام الدراسي الحالي، قدم وزير التربية والتعليم العالي السابق طارق المجذوب إرشادات بشأن العودة إلى المدرسة ضمن سلسلة من الاجتماعات الرفيعة المستوى التي عقدت مع الجهات المانحة؛ وضعت الوزارة الأسس اللازمة لاستيعاب عدد إضافي من التلامذة المنتقلين من القطاع الخاص إلى العام وضمان سير العمل بسلاسة على مستوى المدارس”.
وكشفت أن الوزارة تعمل “على وضع مذكرة توجيهية للعودة إلى المدرسة من أجل ضمان حصول الأطفال على فرص الوصول إلى تعليم نوعي ومرن وشامل للجميع في بداية العام الدراسي الجديد. ستوفر المذكرة معلومات لأولياء الأمور والمعلمين ومديري المدارس حول رؤية وزارة التربية والتعليم العالي وتوجيهاتها بشأن إعادة فتح المدارس للتدريس الحضوري وللتعليم المدمج أو التعليم عن بعد إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك”.
صعوبات ومستلزمات
وهناك صعوبات عدة تواجه المدارس الرسمية، لاسيما توفير المستلزمات التي يحتاجها الطلاّب والتي يعجز الأهل عن تلبيتها بسبب الارتفاع الهائل لأسعار الكتب والقرطاسية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المدارس وتجهيزها، وتأمين مادّة المحروقات، والنقل، وغيرها من الأمور اللوجستية.
“فالأزمات المتعددة التي يواجهها لبنان أثرت على نظام التعليم في البلاد…”. قالت ليزا أبو خالد التي أشارت إلى أن الأزمات فرضت حواجز وعوائق معقدة تستلزم تضافر جهود جميع الجهات المعنية وأصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومة والمجتمع المحلي والدولي، للتصدي لها ومنع الانقطاع عن التعليم لفترات طويلة؛ وتشمل هذه العوائق تدني الحوافز لدى المعلمين بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية، وتكلفة النقل وانعدام القدرة على تأمينه، والتمويل اللازم للنفقات التشغيلية في المدارس، وهجرة المعلمين من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وغيرها من الأمور.
ولفتت إلى أن “الوزارة طلبت دعم الجهات المانحة لتقليل هذه الحواجز وضمان عودة الأطفال بأمان إلى المدرسة من خلال تغطية تكاليف النقل وتوفير الأموال اللازمة للنفقات التشغيلية في المدارس، فضلاً عن دعم عملية استبقاء التلامذة في المدارس من أجل تفادي فقدان فرص التعلم”.
وإذ كشفت أبو خالد أن الجهات المانحة حالياً في صدد جمع المعلومات حول دعم حملة العودة إلى المدرسة ومناقشة الدعم التقني والبرنامجي الذي ستقدمه إلى الوزارة من أجل تنفيذ أجزاء رئيسية من هذه الحملة، توقعت أن تصدر وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان قرارات وتعاميم وإجراءات تشغيل موحدة في الأيام المقبلة لتوجيه عملية تسجيل الأطفال اللاجئين في المدارس الرسمية (في الدوام الأول والثاني)، وذلك بهدف فتح أبواب المدارس.
ستفتح المدارس الرسمية أبوابها أمام الطلاب النازحين، ولكننا لا نزال نرى أطفالاً نازحين منتشرين في الشوارع عند إشارات المرور والطرقات يشحذون، وآخرين يعملون بأجر ضئيل من أجل تأمين قوتهم، في ظل غياب أي دور رسمي ودولي لمكافحة ظاهرتي التسول وعمالة الأطفال.