تأتي حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف والتمييز ضد النساء حول العالم، والتي بدأت في 25 شهر تشرين الثاني الحالي، مغايرة لكل الحملات لتزامنها مع جائحة كورونا.
هذه الجائحة أظهرت بحسب بيانات والتقارير التي وصلت إلى الأمم المتحدة زيادة في جميع أنواع العنف ضد المرأة والفتيات، خصوصاً العنف المنزلي.
وتحت شعار: “تحويل العالم إلى البرتقالي: موّلوا واستجيبوا وامنعوا واحشدوا” تسلط حملة الأمم المتحدة الضوء على تعزيز الوقاية وجمع البيانات والتشريعات التي يمكن أن تحسن الخدمات المنقذة للحياة للنساء والفتيات، لكن أين لبنان من التشريعات الحامية للمرأة اللبنانية بوجه العنف والتنكيل في حقوقها؟
إن التشريع السليم في البلاد وتطبيقه يعكس الصورة الحقيقية لحماية المرأة ومساواتها بالرجل والقضاء على العنف ضدها، فلبنان الذي يستمد دستوره من الجمهورية الثالثة للدولة الفرنسية التي تحترم المرأة وتصونها من أي عنف لا يزال يعاني من خروقات في حقوق المرأة إن لجهة التشريع أو التطبيق العملاني والميداني لهذه القوانين.
اقتراحات قوانين في البرلمان
مقررة لجنة حقوق الانسان النيابية في البرلمان اللبناني رولا الطبش جارودي توضح لـ”بيروت توداي” أن “المجلس النيابي الحالي، وعلى الرغم من كل الظروف الصعبة التي حالت دون انعقاده بشكل دوري، إلا أنه الأكثر انتاجيةً، بكل ما يتعلق بالحقوق الاجتماعية، لاسيما للفئات الأكثر تهميشاً أو استهدافاً، وتحديداً المرأة.”
“صحيح أن المنظومة القانونية الحالية غير كافية، بل مُقصّرة في نواح عديدة، إلا أن جهود المجلس، بلجانه المتخصصة، وباقتراحات من زملاء عدة ومني شخصياً، قدمنا العديد من اقتراحات القوانين التي تعنى بالمرأة” تقول الطبش التي تعترف أيضاً أن هناك بعض الاقتراحات ما زالت موضوع متابعة، خصوصاً تلك التي تتداخل فيها بعض الحسابات السياسية، “إذ صح التعبير”، أو بعض المفاهيم المجتمعية المعرقلة.
الطبش التي خاضت الإنتخابات النيابية بحملة رفعت راية المرأة لمساواتها مع الرجل دخلت الندوة البرلمانية بخلفية تحصيل حقوق المرأة لأن المرأة أدرى بحقوقها وحلّت قضية “منح الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي حق إعطاء جنسيتها لزوجها وأولادها”، في سلم أولوياتها وقدمت اقتراح قانون في هذا الإطار… ولكن لأسباب “عنصرية” لا يزال مع قوانين أخرى عالقة في مجلس النواب.
العنف الأسري
وتقول الطبش إنها “شاركت في دراسة الاقتراح الرامي إلى تعديل القانون رقم 293/2014 (حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري) وتم تعديله بعد اجتماعات موسعة مع مختلف المراجع والهيئات المدنية والحقوقية والدينية، وأحيل إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، بعد أن أُقر في اللجان النيابية المشتركة”.
وفيما تسعى الطبش مع زملاء أخرين إلى رفع الصوت عالياً لمناهضة العنف ضد المرأة خصوصاً الفتيات، تكشف أن هناك اقتراحات قوانين ما زالت تخضع للنقاش، ومنها اقتراح القانون الرامي إلى حماية الأطفال من الزواج المبكر”.
وإذ تؤكد الطبش أن الكثير قد اُنجز، تستدرك بالقول: “بقي الكثير الكثير أيضاً، فالمنظومة القانونية الحمائية للمرأة تحديداً، بحاجة لتحديث في التفاصيل، إلا أنها ايضاً بحاجة لتحديث في النفوس. إذ تلعب المفاهيم المجتمعية الدور الأكبر، إن في عرقلة التعديلات والتحديثات، أم في تسهيلها وإقرارها”.
السلطات لم تفِ بالتزاماتها
ولكن هل القوانين تردع العنف ضد المرأة، التي أنصفها الدستور اللبناني بالمساواة مع الرجل، وهل النصوص تحمي النفوس؟ وهل يتم فعلاً تطبيق التشريعات لإنصاف المرأة وحمايتها؟ للإجابة عن هذه الأسئلة يقول المحامي ميشال فلاّح إن السلطات اللبنانية لم تفِ بالتزاماتها القانونية الدولية لحماية النساء والفتيات من العنف ووقف التمييز ضدهن.
“الجدّية المعلنة من قبل السلطات، لا تُترجم بالأفعال، خصوصاً في إصلاحات جوهرية تطال عشرات قوانين الأحوال الشخصية الطائفة والمحاكم الدينية التي تطبّقها”… هذا ما يلاحظه فلاح خلال ممارسته اليومية بصفته محامياً ومتخصصاً في قضايا المرأة والطفل.
ويزيد: “التمييز الواضح، كي لا نقول الفاضح، ضد المرأة من جميع المذاهب، لا يضمن لها حقوقها الأساسية، خصوصا في مسائل مثل الطلاق، وحقوق الملكية، وحضانة الأطفال بعد الطلاق”.
حماية غير كافية
أما في موضوع “العنف الأسري”، فيوضح فلاّح أن “إجراءات الحماية القانونية من العنف الأُسري، والاعتداء الجنسي، والتحرّش غير كافية. فصحيح أنه في آب 2017، ألغى لبنان المادّة 522 من قانون العقوبات، والتي كانت تسقط العقوبة عن المغتصب إذا تزوّج ضحيته. لكن، تُركت ثغرة قانونية متعلّقة بالاعتداءات التي تشمل الجنس مع طفلات بين عمر 15 و17 عاما والجنس مع فتيات مع وعدهن بالزواج”.
ويعرّف إعلان “القضاء على العنف ضد المرأة”، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، العنف ضد المرأة كالتالي: “أي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.”
الإغتصاب الزوجي
وبحسب المحامي فلاح، يحدّد القانون الحالي للعنف الأُسري هذا النوع من العنف بمعنى ضيّق، ولا يجرّم الاغتصاب الزوجي تحديداً لذلك قدّم نوّاب عدداً من مشاريع القوانين منذ 2017 حول التحرّش الجنسي، لكنها ما تزال بانتظار خطوات من مجلس النواب. علماً أن هذا الأمر يصطدم بثقافة مجتمعية تعارض هذا التوده.
ويكشف المحامي فلاّح عن “نقطة خلافية، قانونية ثقافية، تتعلق بتمييز قانون العقوبات في لبنان بين إغتصاب الزوج وإغتصاب غير الزوج، فالأول مشرّع، فيما الثاني هو جريمة يعاقب عليها القانون. حيث تنص المادة 503 على ما يأتي: “من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عوقب”، موضحاً أن القانون يسمح بالإكراه والتهديد في العلاقة الجنسية الزوجية، ويقر بهما، ويعاقب فقط الإكراه والتهديد بالعلاقة الجنسية خارج إطار الزواج.
ثقافة ذكورية
ويشير إلى أن “الجمعيات الحقوقية تعتبر أن هذه المادة مهينة للمرأة الزوجة وتكشف عن الثقافة الذكورية التي نعيشها في مجتمعنا. باعتبار أن الأسرة، أي المؤسَّسة الاجتماعية الأولى، أصبحت من المؤسَّسات التي يُمارَس فيها العنف الجنسي ضدّ النساء، ولا يمكن الحديث عنه باعتباره شأناً خاصاً بأفراد الأسرة، فلا يتم الإبلاغ عن هذا العنف الجنسي، حتى وإن عانت النساء منه.”
وإذ يتحدث المحامي فلاّح عن موضوع العنف المنزلي، يشير الى ارتفاع عدد الحالات بشكل هستيري، في ظل تدابير الحجر الصحي ومنع التجوال، التي فرضتها السلطات لمحاصرة فيروس كورونا. ولم تعد المنازل آمنة للنساء، في ظل الشكوى من عنف متنوع يتعرضن له يوميا، حيث تضاعفت نسبة التبليغ على الخط الساخن المخصص من القوى الأمنية، 200 بالمئة منذ آذار الفائت.
وخصصت قوى الأمن خطاً ساخناً للتبليغ عن حالات العنف المنزلي (1745). ففي حال ورود أي اتصال من معنفة بضرورة حضور القوى الأمنية فإنها تحضر فورا، وفي حال حصل التبليغ بعد 24 ساعة من الحادثة، فعلى المشتكية أن تقدم شكوى ونتابعها بتحقيق.
وفيما أفادت غالبية المنظمات العاملة في مجال حماية المرأة بارتفاع نسب التبليغات من نساء تعرضن للعنف، يوضح فلاح أن هناك فرقاً بين الاتصالات والتبليغات قبل أزمة كورونا وأثنائها وبعدها، فقبل الجائحة كانت ترد الى المنظمات اتصالات للاستفسار عن الدعم المعنوي أو عن الخدمات، بينما الاتصالات الحالية هي للتبليغ عن حالات عنف.
إستقلالية القضاء
ورغم أن لبنان أقر قانون العنف الأسري في العام 2014 وشكّل قفزة نوعية على صعيد تأمين حماية قانونية للمرأة ولسائر أفراد الأسرة، إلا أن هذا القانون لا يكفي وحده، خصوصاً أن عشرات القوانين المدرجة في المجلس النيابي منها يخص التحرش الجنسي ورفع سن الزواج، لاتزال في أسفل سلّم أولويات المنظومة الحاكمة.
فبين جمود القوانين أو غيابها في بعض الأحيان لمناهضة العنف والتمييز ضد النساء وتطبيق القوانين السارية، لا بد من الإعتماد على ثقافة المجتمع وإستقلالية القضاء الذي يتمتع بسلطة استنسابية في بعض القضايا لإحقاق الحق وحماية المرأة.