بعيداً عن ظروف تشكيل الحكومة وما سبق تشكيلها من مناكفات سياسية و”تناتش” حصص بين الأحزاب بما يؤكد ويجزم عدم استقلالية وزرائها بغالبيتهم إن لم نقل جميعهم.. ماذا عن اختصاصاتهم وتخصّصهم في مجال حقائبهم الوزارية وما هي الملفات الإقتصادية والمالية ذات الأولوية التي تنتظر الوزراء الجدد؟
قبل عرض الملفات المتراكمة التي تحتاج الى معالجات جذرية، لا بد من الإشارة الى أن الحكومة الجديدة تبنّت موازنة العام 2020 من دون أن تشارك في إعداد مشروع قانون الموازنة أو أن تُدخل عليه أي تعديلات تعكس خطة إنقاذية لقطاع الكهرباء وللدين العام الملفان الأكثر ثقلاً على الموازنات العامة والأكثر تأثيراً بالعجز.
موازنة 2020 التي تبنّتها الحكومة الجديدة لم تعكس أي رؤية أو جدّية لدى الحكومة للإصلاح لا بل شكّلت استمرارية لسياسة صوغ الموازنات السابقة التي سبقت تاريخ 17 تشرين الأول 2019 والتي لا تعدو كونها عمليات حسابية ليس إلا، فلا رؤية إقتصادية مالية تضع حدّا للنزف الحاصل في المالية العامة من جهة وفي عموم القطاعات الإقتصادية من جهة أخرى.
نورد في ما يلي أبرز الملفات العالقة ذات العلاقة بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي والتي تنتظر على طاولات الوزراء الجدد معالجتها فيما لو توفّرت النوايا الجدّية والقدرة على المعالجة، وتتصدّر تلك الملفات، عاصفة الدولار التي ضربت لبنان بكل مكوّناته، منذ بداية العام الماضي قبل أن تتفجّر وتخرج إلى العلن منذ شهر أيلول 2019. فأزمة السيولة التي تُعد اليوم أمّ الأزمات يصعُب حلها واستعادة استقرار السوق النقدية بعد أن تشرذمت بين 3 أسعار لصرف الدولار، إنما يتوجّب التخفيف من وطأة آثارها التدميرية والتأسيس لحلول جذرية على المديين المتوسط والطويل.
وزارة المال
تولى حقيبة وزارة المال غازي وزني، ويكاد يكون من القلة في الحكومة الجديدة ذا اختصاص وخبرة تتناسب والحقيبة التي تسلّمها، إلا أن مسؤوليات وزارة المال كبيرة جداً والأزمات المرتبطة بالمالية جسيمة لا يمكن معالجتها قبل حل أزمة الكهرباء التي تستحوذ على نحو 32 في المئة من العجز المالي.
والحال أن وزير المال اعترف في خلال حفل التسليم والتسلم بمواجهة أزمة استقرار مالي إلى جانب أزمة ارتفاع البطالة والأزمة الإجتماعية وارتفاع الفقر، وعلى الحكومة مواجهتها وإثبات جدّيتها بالإصلاح للمجتمع الدولي… كل تلك النوايا الحسنة والطموحات نسفها قرار الحكومة بتبنّي موازنة لم تشارك بإعدادها ولا حتى مناقشتها.
أُقرت موازنة 2020 كسابقاتها خالية من أي رؤية إقتصادية إصلاحية، بل أكثر من ذلك بُنيت أرقام العجز في موازنة العام 2020 على معطيات لم تعد دقيقة بحكم تبدّل الظروف منها الناتج المحلي الإجمال والتضخم، فقد قدّرت موازنة 2020 العجز الرسمي بنسبة 7.09 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي GDP الذي قدّرته بنحو 89298 مليار ليرة أي نحو 59.5 مليار دولار مع احتساب معدّل التضخّم 2.8 في المئة لعام 2019، ونسبة الدين العام على الناتج المحلي بنسبة 151 في المئة.
وهذه أرقام غير دقيقة وفق الخبراء لاسيما لجهة الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدّر البعض تراجعه الى نحو 45 مليار دولار، أضف الى أن الإيرادات المقدّرة بنحو 20393 مليار ليرة (13.59 مليار دولار) لن تكون مضمونة التحصيل بسبب الإنكماش الإقتصادي الحاصل والتراجع الهائل بالقدرة الشرائية لدى المواطنين، من هنا لن تكون أرقام الموازنة نهائية ولا دقيقة.
ولم تخلُ الموازنة من تمرير تنفيعات وسقطات استكمالاً لما بدأته الحكومة السابقة أبرزها تضمّنها مادة تخصص مبلغ يقارب 15 مليار ليرة أي نحو 10 مليون دولار لمشروع المعهد البحري في البترون، الذي نقله الوزير السابق جبران باسيل من عكار الى البترون، في مقابل إلغاء اعتمادات مالية لعدد من المشاريع تحت شعار التقشف في الموازنة منها إلغاء اعتمادات معالجة التلوث في حوض الليطاني، واعتمادات تشييد أبنية على أراضي الدولة لتخفيف عبء الاستئجار، واعتمادات تشييد أبنية للجامعة اللبنانية وجرى خفض اعتمادات برنامج الضم والفرز إلى الثلث، وتقسيط تعويضات الصرف على مدى ثلاث سنوات.
وزارة الصناعة
تولى حقيبة وزارة الصناعة عماد حبّ الله آتياً من عالم الإتصالات وكان رئيساً سابقاً للهيئة الناظمة للإتصالات، وهو ما يُسقط عنه كما غالبية وزراء الحكومة صفة التكنوقراط لتوليه حقيبة بغير اختصاصه. تقع على وزارته مسؤولية كبيرة لجهة العمل على تشجيع الصناعة وحل أزمة استيراد الصناعيين للمواد الأولية الضرورية للصناعة، وحمايتهم من المنافسة المجحفة، فالإنتاج الصناعي في المرحلة الراهنة سيشكل تحدياً كبيراً وضرورة ملحة في الوقت عينه لاسيما في ظل تراجع الإستيراد بسبب شح السيولة بالدولار وما تلاها من ارتفاع كبير في مستوى أسعار السلع بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار من جهة وفوضى السوق من جهة أخرى.
وزارة الطاقة
ليس خافياً على أحد أن وزير الطاقة في الحكومة الجديدة ريمون غجر هو المستشار الأول لجبران باسيل والراعي الأساس لخطة الطاقة التي انتهجها باسيل في العام 2010 وأثبتت فشلها وفشل إدارة قطاع الكهرباء على مر سنوات، يواجه غجز التحدي الأكثر خطورة وهو إحداث تقدم على مستوى حل أزمة الكهرباء وتأمين التغذية لكافة المناطق اللبنانية وخفض مستوى عجز القطاع الذي يقارب ثلث عجز الموازنة العامة.
ولا تقل أزمة المحروقات خطورة وأهمية عن الكهرباء، إذ تتطلب من الوزير الجديد الوقوف في وجه كارتيل المحروقات، وتجنيب المواطنين مزيد من الإذلال للحصول على المحروقات. وقد لوحّت نقابة أصحاب المحروقات قبل تشكيل الحكومة بساعات بتحديد جدول أسعار المحروقات بمفردها ضاربة عرض الحائط القانون والأصول التي تجيز لوزارة الطاقة حصراً تحديد جدول أسعار المحروقات.
ويأتي تهديد أصحاب محطات المحروقات بعد فشل الوزارة بالتوصل الى حل مع تجمع الشركات المستوردة للنفط الذي يرفض تطبيق تعميم مصرف لبنان الذي يُلزم الشركات بتأمين 15 في المئة من قيمة المستوردات بالدولار في حين يتولى مصرف لبنان تغطية 85 في المئة من القيمة بالدولار، وما يحصل أن الشركات المستوردة رمت الحِمل على المحطات بحيث ألزمتهم بسداد 15 في المئة من قيمة البضائع بالدولار وهو ما يرفضه أصحاب المحطات إذ يكبدهم خسارة أرباحهم.
وزارة الصحة
تولى حمد حسن وهو طبيب ورئيس بلدية سابق حقيبة وزارة الصحة العامة ليواجه بذلك تحديات تتمثل بارتفاع مستوى المخاطر باستمرار المستشفيات في تقليص خدماتها نتيجة الأزمة المزدوجة التي تواجهها بسبب الأوضاع المالية الصعبة الناتجة عن تأخر الدولة والجهات الضامنة عن سداد مستحقاتها البالغة نحو 2000 مليار ليرة من جهة وبسبب أزمة تأمين الدولار لتغطية استيراد المستلزمات الطبية أو شرائها من جهة أخرى. ويُضاف الى تحديات وزارة الصحة أزمة أسعار الأدوية التي لا زالت تعد من الأكثر ارتفاعاً في المنطقة إلا أن ذلك سيواجه عقبات وصدامات مع مستوردي الأدوية الذين يشكون عجزهم عن تحمل عبء تغطية 15 في المئة بالدولار ثمن الأدوية المستوردة.
وزارات خدماتية
اتصالات: لم يذكر وزير الاتصالات طلال حواط تحضير أي خطة أو رؤية لإدارة قطاع الإتصالات الذي يجني عائدات ضخمة للخزينة العامة سنوياً، ما يطرح العديد من علامات الإستفهام حول سعيه لتجديد عقود شركتي ألفا وتاتش بدلاً من استدراج عروض جديدة وفتح القطاع أمام المنافسة.
زراعة: في وزارة الزراعة والثقافة نرى تجاهل تام للقضايا الزراعية الأساسية في وقت قد يتعرّض فيه لبنان لأزمة إنتاجية غذائية، فقد أتت الحكومة بوزير للزراعة عباس مرتضى وهو الحامل لشهادة التاريخ ولا يملك أي خبرة من قريب أو بعيد في ملف الزراعة وحاجات القطاع ومعاناته ومحاربته من قبل الإنتاج الزراعي الأجنبي الذي يدخل بشكل شبه عشوائي الى البلد، غالباً دون مراعاة الروزنامة الزراعية التي تحدد مواقيت الاستيراد بحيث لا يتأثر الإنتاج اللبناني ويتعرض لمنافسة غير متكافئة.
اقتصاد: أتى وزير الاقتصاد والتجارة الجديد راؤول نعمة من عالم المصارف كما الوزراء الذين سبقوه إذ كان يشغل منصب المدير التنفيذي لبنك ميد Bankmed في لبنان، ويواجه العديد من التحديات في وزارته يكاد يكون أبرزها لجم فوضى السوق لجهة ارتفاع الأسعار بطريقة عشوائية ودخول بضائع الى الأسواق مخالفة لأدنى معايير الصحة العامة ومنها بضائع لا تحمل سوى اللغة الصينية مجهولة المكونات وآلية التخزين وغيرها من علامات جودة المنتج.
السياحة: تولى الطبيب رمزي مشرفية حقيبتي وزارة السياحة والشؤون الإجتماعية وهذا إن دلّ على شيء فيدل على استمرار نهج المحاصصة وتجاذب المقاعد الوزارية بين الأحزاب والطوائف. فكيف بطبيب أن يتابع الشأن السياحي الذي يحتاج فعلاً الى خطط للترويج وإعادة الثقة بارتياد لبنان في المواسم السياحية بين العرب والأجانب الذين يشكّلون ثاني أهم مصادر الأموال الوافدة بالعملة الصعبة؟
البيئة: تولى الخبير الاقتصادي دميانوس قطار حقيبتي البيئة وشؤون التنمية الإداريّة وكأن الملف البيئي في لبنان لا يحتاج متابعة حثيثة وخطة شفافة وعمل دؤوب لرفع الفساد عن ملف النفايات الذي يعود الى سنوات سابقة، تم تسليمه حقيبتين بدل تسليم حقيبة البيئة لأهميتها لشخص ذي خبرة عالية في المجال، في حين أن وزارة شؤون المهجرين لا زالت قائمة رغم إقرار إلغائها من قبل الحكومة السابقة.