يرى المواطنون في كل من لبنان، فلسطين، الأردن، تونس، السودان والمغرب بأن الفساد في دولهم يتفاقم تزامنا مع ارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير في الدول نفسها.
فقد كشف تقرير ”الشفافية الدولية“ الصادر في 11 كانون الأول الماضي بأن فقط 28 بالمئة من مواطني الدول المشمولة في الدراسة يرون أن أداء حكومتهم جيد في مجال محاسبة الفساد، فيما يرى مواطنان من أصل ثلاثة مواطنين في هذه الدول (65 بالمئة) أن الفساد قد تفاقم في السنة الأخيرة.
شمل الاستطلاع أيضا موضوع الرشوة في هذه الدول، وتبين أن أكثر من شخص واحد من بين خمسة مستطلعين قد دفع رشوة خلال العام الماضي للحصول على خدمات عامة مثل الصحة والتعليم، وهو ما يعادل 11 مليون مواطنا في هذه الدول.
وعلاوة على ذلك، ففي كل من لبنان وفلسطين والأردن، قام أكثر من ثلث المواطنين، أو يعادل 3.6 مليون مواطنا في هذه الدول، باستغلال العلاقات الشخصية، أو ما يعرف بالواسطة، للحصول على الخدمات التي يحتاجون إليها.
وللمرة الأولى في هذا التقرير يطرح الاستطلاع على المواطنين في لبنان، فلسطين والأردن، سؤالا عن تجربتهم مع الابتزاز الجنسي، وهو شكل من أشكال الفساد الذي يقع فيه استخدام الجنس بدل العملة النقدية في عمليات الرشوة. بحسب الاستطلاع، فإن واحدا أو واحدة من بين خمسة أشخاص قالوا بأنهم تعرضوا إلى الابتزاز الجنسي لدى محاولتهم الحصول على خدمة من إدارة عامة، أو يعرفوا أحدا تعرض لذلك.
وكان لافتا في التقرير تفوق لبنان على الخمس دول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي شملها الإصدار العاشر من مقياس الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية على مستوى الرشوة الجنسية، بحيث أن 23 بالمئة من الأشخاص الذين تعاملوا مع الإدارات العامة في لبنان تعرضوا للرشوة الجنسية أو يعرفون شخصا قد تعرض لها مقابل تسيير معاملاتهم أو طلباتهم خلال الأشهر ال 12 الماضية.
وضمن الفترة نفسها، 41 بالمئة من الأشخاص دفعوا رشاوي لتسيير معاملاتهم، فيما لجأ 54 بالمئة منهم إلى الواسطة من أجل الحصول على الخدمات العامة.
الفساد في لبنان بحسب المؤسسات
بالعودة إلى استطلاع الرأي الخاص بلبنان، فإن 68 بالمئة من العيّنة المستطلعة اعتبرت أن الفساد قد تفاقم. وقد رأى 68 بالمئة منهم أن معظم العاملين في الإدارات والمؤسسات العامة متورطون في الفساد، يليهم النواب (بنسبة 64 بالمئة).
اللافت في هذا الاستطلاع، هو اعتبار 54 بالمئة من المستطلعين أن المصرفيين متورطين في الفساد، علما أنه جرى قبل انتفاضة الشعب اللبناني في 17 تشرين، وما تلاها من إجراءات تعسفية قامت ولا تزال تقوم بها المصارف اللبنانية بحق صغار المودعين، كالقيود التي فرضت على سحب الأموال بالعملات الأجنبية، ووصلت في بعض المصارف إلى 100 دولار أميركي فقط في الأسبوع. يلي المصرفيين في هذا الاستطلاع القضاة والموظفين القضائيين بنسبة (53 بالمئة) ومديرو الأعمال بنسبة (53 بالمئة).
وللمنظمات غير الحكومية حصتها من الفساد، خصوصا فيما يتعلق بالهبات والتمويل الضخم الذي تحصل عليه المنظمات وهو بمعظمه مخصص لتنفيذ مشاريع في مخيمات اللاجئين السوريين وسواها. وقد نالت هذه المنظمات نسبة 47 بالمئة من الفساد برأي المستطلَعين، ولم يكن مستغربا حصول رجال الدين على نسبة 46 بالمئة بفعل الفساد في المحاكم الدينية حيث يخضع المواطنون في لبنان لقوانين الأحوال الشخصية الطائفية.
أما الموظفون الحكوميون في الإدارات المحلية، أي موظفي البلديات بشكل رئيسي، فنالوا نسبة 46 بالمئة من الاستطلاع، بينما كان مستغربا أن ينال عناصر الشرطة 44 بالمئة فقط من آراء المستطلعين.
معدلات الرشوة والواسطة
على صعيد آخر، فقد بلغ معدّل الرشوة في الإدارات العامة اللبنانية 41 بالمئة ، فيما بلغت نسبة الواسطة 54 بالمئة، وذلك بالاستناد إلى الأشخاص الذين تلقوا خدمات من مصالح حكومية خلال الأشهر ال 12 الأخيرة.
أما النسبة الأكبر لمعدلات الرشوة فكانت من حصة القضاء اللبناني بنسبة 48 بالمئة، فيما كان معدلات الواسطة 65 بالمئة، وهي نسبة تدل بشكل فاضح على حجم التدخل في عمل القضاء والحاجة الفعلية لإقرار قانون استقلالية القضاء الذي يتم مناقشته في هذه الفترة في لجنة الإدارة والعدل النيابية.
يلي القضاء قطاع خدمات إسناد بطاقات الهوية و إخراجات القيد، حيث بلغت نسبة الرشوة فيه 37 بالمئة والواسطة 45 بالمئة، علما بأن غالبية المواطنين الذي يقومون بإصدار إخراج القيد يلجؤون إلى مختار المحلة أو البلدة لتقديم الطلب، فيدفعون رسوما تتفاوت بين مختار وآخر دون إدراك منهم بأن قسما من هذه الرسوم لا يحق للمختار استيفائه.
أما المرافق العامة والشرطة فقد تساوت في نسب الرشوة فيها (36 بالمئة)، فيما بلغت نسبة الواسطة في الأولى 51 بالمئة وفي الثانية 42 بالمئة.
وفي العيادات العامة والمراكز الصحية بلغت الرشوة نسبة 27 بالمئة فيما بلغت نسبة الواسطة فيها 45 بالمئة، فيما بلغت نسبة الرشوة 26 بالمئة والواسطة 54 بالمئة في المدارس الرسمية، وعادة ما يلجأ المواطنون للواسطة في المدارس الحكومية من أجل تسجيل أولادهم في مدارس حكومية محددة قد يرون بأنها أفضل لناحية المستوى من مدارس حكومية أخرى، أو أقرب إلى مكان السكن. وقد لفت الاستطلاع إلى أن 47 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع عرضت عليهم رشوة مقابل الإدلاء بأصواتهم.
قبل الانتفاضة الشعبية والحراك المستمر منذ ما يزيد عن 80 يوما، كان 48 بالمئة من اللبنانيين يعتبرون بأنه لا تأثير للأشخاص العاديين في مكافحة الفساد، فيما اعتبر 39 بالمئة منهم عكس ذلك، وامتنع 13 بالمئة عن إعطاء رأيهم.
هذه النسبة من شأنها أن تختلف كثيرا فيما لو تم طرح استطلاع الرأي في هذه الأيام، خصوصا بعد الإنجازات العديدة التي حققها الناس في الشارع منذ استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية. فهذه النسب يقابلها اعتبار 87 بالمئة من اللبنانيين بأن أداء الحكومة في مجال محاربة الفساد كان ضعيفا.
وعلى الرغم من الأرقام القاتمة التي نستشفها من نتائج الاستطلاع، فإن منظمة الشفافية الدولية ترى أن المواطنين العاديين يمكن لهم التأثير في عملية مكافحة الفساد، على أن يتم الضغط على السلطات المعنية لاتخاذ خطوات في مجال تعزيز النزاهة الانتخابية لضمان انتخابات عادلة وديمقراطية، تمكين وحماية كاشفي الفساد والمجتمع المدني والإعلام، الحد من الواسطة وردعها، تعزيز استقلالية القضاء وتكريس الفصل بين السلطات الثلاث، الإقرار بأشكال معينة من الفساد قائمة على النوع الاجتماعي والتصدي لها، تعزيز الشفافية والحق في الحصول على المعلومات.
معلومات عن مقياس الفساد العالمي
يستند مقياس الفساد العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الصادر عن منظمة الشفافية الدولية في نسخته العاشرة إلى عمل ميداني أجري في الفترة الواقعة بين آذار وآب من العام 2018 في شمال أفريقيا، وبين آب وتشرين الأول من العام 2019 في الشرق الأوسط.
شارك في الاستطلاع 6600 مواطنا من الدول الست التي شملها التقرير والمذكورة أعلاه، وقد تولى إجراء الاستطلاعات الميدانية كل من Afrobarometer وشركة نماء للاستشارات الاستراتيجية، وشركة إحصاءات لبنان ومركز قياس الاستطلاعات الرأي والأبحاث.