أغلقت بلدية بيروت الحدائق العامة في العاصمة مع أول إقفال عام شهدته البلاد بسبب انتشار جائحة كورونا. واستمر هذا الوضع حتى اليوم على الرغم من إعادة فتح المساحات العامة “المقفلة” كالمطاعم والحانات والمولات وغيرها ضمن معايير وشروط الوقاية للحدّ من انتشار الفيروس.
الغريب في ما يحصل لا يرتبط باستمرار البلدية في إقفال المتنفس المجاني الوحيد لأبناء العاصمة، فهي نفسها قد أقفلت حرش بيروت لفترة ناهزت العشرين عامًا. وإنما بإنفاقها بين العامين 2020 و2021 أكثر من 280 مليون ليرة، معظمها على “لزوم ريّ الحدائق والوسطيات ونكشها وتعشيبها”، بحسب تقرير نشره “استديو أشغال عامة” مستندًا إلى قرارات صادرة المجلس البلدي.
وتوزّعت هذه السلف بشكل عام على مدينة بيروت وأحيانًا على أماكن محددة كرأس بيروت، عين المريسة، المصيطبة، الباشورة، زقاق البلاط ، الأشرفية، المدور، الرميل، الصيفي، المزرعة وساقية الجنزير. وتجدر الإشارة إلى أنّ سبب صرف هذه المبالغ في ظل الإقفال التام للحدائق وغياب الصيانة عنها، غير معروف وفق ما ورد في التقرير.
وكما لم يكن في السابق يُسمح، قبل حزيران من العام 2016، بدخول الحرش إلّا للأجانب والأشخاص الحائزين على إذن مسبق من البلدية أو الأفراد الذين تخطى عمرهم الـ35 عامًا، وكانت الذريعة الأبرز هي عدم تحوّل الحرش لمساحة نزاع بين السكان المحيطين به، وتحديدًا المقيمين في الشياح من جهة وقصقص من جهة أخرى، وأيضًا لاعتبارات وأحكام مسبقة حول سلوكيات اللّبنانيين “غير المتحضرة” حيث تُترك النفايات في المكان وتتضرر الأملاك العامة بحسب ما يقول المعنيين في بلدية بيروت.
فيديو | كيف فقدت بيروت مساحاتها الخضراء
ها هي البلدية ذاتها اليوم تقفل هذه المساحات مجددًا تحت ذرائع بعيدة عن المنطق. فبينما تفتح المقاهي والمطاعم والبارات أبوابها للناس في تهديد أكبر للصحة العامة وعدم احترام للتباعد الاجتماعي، وفي غرف مقفلة أو غير ذات تهوئة كافية. تصوّر الدولة الحدائق العامة، -الأمكنة الأكثر أماناً في ظل الجائحة- على أنّها خطرة.
ويبدو واضحًا، وفق تقرير استديو أشغال عامة، استهتار السلطة بصحة المواطنين، وسعيها لحرمان الفئة الأقل قدرةً على الاستهلاك في مقهى أو مطعم أو بار، من حقها في مساحات عامة ولحظات استجمام في مدينة مكتظة.
بالإضافة إلى الغياب شبه التام للصيانة والإدارة، وإغلاق الحدائق العامة، يلفت التقرير إلى أنّ بيروت والمناطق تعاني من نقص في المساحات العامة وانسحاب البلديات من مسؤوليتها في تحويل أراضيها إلى حدائق أو استملاك أراضٍ لهذا الهدف.
في وقت تظهر الحاجة لهذا النوع من المساحات، إن كان نتيجة الجائحة، أو الانهيار الاقتصادي وحاجة الناس للمساحات العامة المفتوحة بهدف الترفيه والتلاقي.
هذا وقد تقدّم استديو أشغال بالتعاون مع عدد كبير من المجموعات بعريضة لبلدية بيروت ورئاسة الوزراء للمطالبة بفتح الحدائق العامة. وقد أشارت العريضة إلى أنّ مسؤولين في مدن عدة من العالم، لحظوا مع بداية الوباء، ضرورة تأمين المساحة العامة والقدرة على التواجد في الهواء الطلق.
ففي هونغ كونغ – على سبيل المثال – نفّذت السلطات تدابير عدّة للحدّ من انتشار الفيروس، إنما مع الحفاظ المستمر على قدرة السكّان على التلاقي في الخارج، بما في ذلك وسائل النقل العام، مع إلزامية ارتداء القناع. كذلك في نيويورك، عندما تم فرض حظر التجول، أُبقيَ على مرافق حدائق المدينة مفتوحة، مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي. في كاراكاس عاصمة فنزويلا، بعد 7 أشهر من الإغلاق، وضعت السلطات خطة 7 + 7 لإعادة فتح الشواطئ العامة والحدائق والمرافق الأخرى.
بعد كل أسبوع من الإغلاق، يمكن للناس التجمّع في الهواء الطلق مع الالتزام بالتباعد الاجتماعي والإجراءات الأخرى. في لندن، طوال فترة الإغلاق التام، وحتى عندما فُرضت الإجراءات الأكثر صرامة، ظلّت المنتزهات والحدائق وغيرها من الأماكن العامة مفتوحة. وأطلقت البلدية مبادرات لإنشاء ممرات مؤقتة للدراجات الهوائية وتوسيع الأرصفة. في دبي، عادت الحدائق والشواطئ تدريجيًا لاستقبال الزوار بسعة 40٪ وثم أعيد فتح المساحات المتبقية في المراحل التالية.
وقد شدّدت العريضة على دور بلدية بيروت وحيازتها على الموارد الكافية التي تخوّلها إعادة فتح الحدائق العامة في العاصمة أمام روّادها، وإعطاء كلّ الاهتمام لهذه العملية وتدعيمها بالفريق المناسب من حرس بلدية بيروت.
وقد جاء الرد على العريضة من مصلحة أمانة المجلس البلدي بشكل إحالة الطلب إلى اللّجنة القانونية التي أقّرت حفظ الطلب -أي نسيانه، ومن مصلحة الشؤون الإدارية بشكل تبليغ شفهي من السيد سامر يعقوب الذي أخبر استديو أشغال عامة أنّ الحدائق مقفلة بقرار من لجنة الجائحة وبعضها مقفل بسبب الترميم، وأخيراً من دون ردّ من رئاسة الحكومة حتى الآن.
من الضروري فتح الحدائق العامة، خاصة مع الموجة المستجدة من الجائحة. ففي أشدّ مراحل الجائحة حتى الآن، وفي حين أقفلت المدن الكبرى كلّ مرافقها ومؤسساتها، أبقت كلّها على الحدائق، متنفّساً وحيداً مجانياً للجميع، يستطيع الناس فيه المحافظة على التباعد الاجتماعي ويقلّ فيه خطر العدوى.