تكاد لا تمر ساعات إلا ونسمع فيها عن وقوع جرائم سرقة، تارة سرقة دراجات نارية، وأحيانا سرقة أملاك عامة، وكثيراً سرقة أملاك خاصة، كالبيوت والمنازل والمحلات، آخرها محلات للصاغة.
أسباب عدة أدت إلى ارتفاع نسبة جرائم السرقة، أهمها الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، والأوضاع السياسية غير المستقرة، بالإضافة إلى الانفلات الأمني في بعض المناطق نتيجة السلاح غير الشرعي المتفشي.
ونشطت حديثاً جرائم سرقة “مستغربة”، كسرقة دواليب وعجلات “جنطات” السيارات، والأسلاك الكهربائية والبطاريات والريغارات والأدوات الزراعية، والبيوت المهجورة وورش البناء وصناديق التبرعات للمساجد أو الكنائس، وغيرها من السرقات، فما أسباب هذه الظاهرة وتفشيها في الآونة الأخيرة؟
الباحثة والأستاذة في معهد العلوم الاجتماعية – الجامعة اللبنانية د. وديعة إبراهيم الأميوني ربطت بين الأزمات الاقتصادية وبين ارتفاع الجرائم، وقالت، في حديث لـ”بيروت توداي”: “عندما يكون نحو 80% من العائلات في لبنان تحت خط الفقر، وسط تدهور الناتج المحلي، واقفال بعض المصانع أبوابها، فيما الإستيراد يفوق أضعاف التصدير والعملة بحالة انهيار، بالإضافة إلى غياب السياسات الاقتصادية والصحية والاجتماعية والخدماتية في البلاد، كل هذه الأسباب تخنق المواطن وتدفعه إلى اللجوء إلى أسلوب الجريمة لتأمين أدنى متطلبات العيش، وأشهر هذه الجرائم هي السرقة”.
وأكد مصدر أمني أن الأمن مستتب رغم كل الأرقام المذكورة، موضحاً أن “أسباب ارتفاع الجريمة والسرقة بشكل خاص هي نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة”.
وقدرت منظمة “الاسكوا” العائلات الرازحة تحت خطّ الفقر في لبنان، بـ 1.25 مليون عائلة، 40% منها تحت خط الفقر المدقع و60% تحت خط الفقر العام، حيث بات معظم اللبنانيين عاجزين عن تأمين السلع الغذائية والاستهلاكية الضرورية.
كما حذرت الأميوني من أن الأسباب السابقة التي ذكرت لارتكاب الجريمة قد تدفع إلى الانتحار، خصوصاً “عندما يعجز الأب أو الزوج عن تأمين الطعام لعائلته فيلجأ إلى الانتحار أو للقتل والسرقة”.
وأظهرت إحصاءات سابقة نشرها “بيروت توداي” أن شخصاً في لبنان يخسر حياته كل يومين فاصل واحد (2.1) في المتوسط، ويحاول شخص الانتحار كل ست ساعات.
الدولية للمعلومات
فخلال الأشهر الـ10 الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2019، ارتفع عدد السيارات المسروقة بنسبة 212%، وارتفعت جرائم السرقة بنسبة 265%، فيما ارتفعت جرائم القتل بنسبة 101%.
ووثقت “الدولية للمعلومات”، في دراسة نشرتها في الخامس عشر من تشرين الثاني الحالي، “استناداً” إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، إرتفاع سرقة السيارات بنسبة 212% خلال الأشهر العشر الأولى من العام الحالي، إذ وصل صافي عدد السيارات المسروقة إلى 1,097 سيارة مقارنة بـ 351 سيارة في الفترة ذاتها من العام 2019، أي بمعدل 3.6 سيارة يومياً.
أما جرائم السرقة فارتفعت خلال الأشهر الـ 10 الأولى من العام 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2019 وبلغت نسبتها 265.6%، إذ سجّلت خلال شهر تشرين الأول 503 جرائم سرقة مقارنة بـ 411 جريمة سرقة في شهر أيلول، أي بمعدل 16 جريمة سرقة يومياً.
هذا، وتراجعت بشكل محدود جرائم القتل بنسبة (1.1%) خلال الأشهر الـ 10 الأولى من العام 2021 مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2020. أما بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2019 فيتبّن انها ارتفعت بمقدار 90 قتيلاً أي بنسبة 101%.
حماية الزعيم
وتطرقت الأميوني إلى هيبة القضاء واستقلاليته، فقالت: “عندما يفقد القضاة هيبتهم وعناصر القوى الأمنية، لم تعد تستطيع ضبط الوضع خصوصاً أن رواتب القضاة أو عناصر القوى الأمنية لا تكفيهم حتى نهاية الشهر، فلن يعملون باندفاع بل قد يلجأون إلى الرشوة “.
“المواطن عندما يحتمي بالزعيم أو يعرقل العدالة، يحلل لنفسه الجريمة بشكل مسبق ويرتكبها عن سابق تصور وتصميم”… شرحت الأميوني التي اعتبرت أن “فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها وعلى رأسها القضاء، الذي يُعنى بالأحكام وتنفيذ القوانين، يزيد من نسبة الجريمة وعندها نكون في شريعة الغاب ونلجأ إلى الزعيم لحمايتنا”.
وإذ جزمت بأن الفقر هو دافع أساسي للسرقة والإجرام والقتل، أوضحت الأميوني “أن تشديد العقوبات لا يخفف وقوع الجرائم وزيادة القوى الأمنية لا تخفض الجريمة أيضاً
وأعطت الأميوني مثالاً عن مدينة ميديلين في كولومبيا، حيث كان يتواجد بابلو إسكوبار، أحد أخطر تجار المخدرات الذين عرفهم العالم، فقالت: “كان هناك ارتفاع في معدل تعاطي المخدرات في هذه المدينة مع ترافق العنف والقتل والسرقات ولم يستطيعوا التخلص من هذه الآفة إلا عندما أصبح هناك تثقيف ووعي وفتح أندية والعمل على البنية التحتية واقامة الجمعيات، وأصبحت المدينة اليوم من أجمل المدن السياحية في العالم”.
تخّوف… الأمور نحو الأسوأ
ووسط الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والاستقرار السياسي، يرتفع مستوى المخاوف من زيادة جرائم السرقة بهدف تأمين الاحتياجات والضروريات، وقد نبهت الأميوني إلى أن “الأمور في لبنان تتجه نحو الأسوأ وجميع المؤشرات تدل على أن الجريمة والانتحار يزدادان تدريجياً يومياً وهذا الأمر يتطلب المزيد من التثقيف خصوصاً أن اللبنانيين لديهم مفهوم الترابط العائلي والتضامن، فالجميع يساند أسرته، وهناك جمعيات يجب أن تعمل بشكل حقيقي على الأرض لسد الثغرات التي أوجدتها الدولة”.
أمام هذا الواقع المرير للبلد نسأل أين دور الدولة وواجباتها تجاه مواطنيها لخفض معدلات الفقر وانتشال المواطنين من براثن العوز؟