أطفال اللاجئين يُجبرون على ترك المدارس لتغطية نفقاتهم في لبنان

صورة ل"دارين"، محور تركيز أحدث أفلام المجلس النرويجي للاجئين. تصوير: زينب ميلادان / المجلس النرويجي للاجئين

مرّت ساعات لا تعدّ، الجو حار جداً والهواء جاف، لكن العمل لا ينتهي. ومع ذلك لا تزال منحنياً ‏تقطف البطاطس من الحقل جنباً إلى جنب مع أصدقائك. قد يصعب تصوّر ذلك لأنه سيناريو بعيد عن الواقع بالنسبة للكثيرين منا، لكن بالنسبة لدارين، ‏فهذه حياتها اليومية. ‏

دارين هي لاجئة سورية هاجرت إلى لبنان بعد اندلاع الحرب السورية في عام 2012 وتمثل محور تركيز أحدث أفلام المجلس النرويجي للاجئين الوثائقية بعنوان “حافة الوادي”. ‏

وقد قام دانيال ويلر بإخراج هذا الفيلم القصير، والذي تبلغ مدته ثماني دقائق ويتابع حياة الطفلة ‏البالغة من العمر تسع سنوات بعد أن أجبرت على ترك المدرسة بهدف مساعدة والديها في ‏الحصول على دخلٍ كافٍ للحفاظ على مستوى معيشي لائق. ‏

وقالت دارين: “كانت المدرسة أفضل شيء بالنسبة لي لأنهم كانوا يعلموننا هناك. لقد شعرت ‏بالحزن عندما توقّفت عن الذهاب إليها”. ‏

والجدير بالذكر أن دارين ليست الطفلة الوحيدة التي اضطرت إلى ترك المدرسة للذهاب إلى ‏العمل، فهي واحدة فقط من أصل العديد من الأطفال. منذ بداية الأزمة اللبنانية في شهر تشرين ‏الأول (أكتوبر) من عام 2019، كان اللاجئون، والأطفال على وجه الخصوص، من أكثر ‏الفئات تضرّراً. 

واعتبارا من شهر حزيران 2021، قدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة ‏لشؤون اللاجئين أن 49 بالمئة من عائلات اللاجئين السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ‏مما أجبر الكثيرين على الحدّ من أحجام حصصهم الغذائية أو تقليل عدد وجباتهم اليومية. 

ليس ذلك فحسب، فقد انخفض معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم ‏بين 6 و14 عاماً بنسبة 25% في عام 2021، ممّا أدى إلى ارتفاع في نسبة عمالة الأطفال ‏السوريين. 

ويستضيف لبنان ما يقدّر بنحو 1.5 مليون لاجئ سوري، ووجدت المفوضية السامية للأمم ‏المتحدة لشؤون اللاجئين أن أعداداً هائلة من الأطفال السوريين اللاجئين منخرطين في عمالة ‏الأطفال في رقم وصل إلى 27,825 طفلا. ‏

وأغلبية الأسر عندما لا تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية، لا يكون أمامها خيار سوى إرسال ‏أطفالها للعمل من أجل المساعدة في إعانة الأسرة مادياً. ‏

وبالإضافة إلى العقبات المالية، وجد المجلس النرويجي للاجئين أن هناك عواقب أخرى تحول ‏دون حصول الأطفال اللاجئين على التعليم، بما في ذلك قدرات استيعاب المدارس والعقبات ‏الإدارية. ‏

ويجسد الفيلم هذه العوائق من خلال دارين المقيمة في أحد مخيمات اللاجئين في البقاع، والتي ‏تعمل كل يوم من شروق الشمس حتى غروبها. ‏

وصرّح المخرج دانيال ويلر لـ”بيروت توداي” قائلا: ” لقد تأثرت كثراً بقصة دارين لأنها أتيحت ‏لها الفرصة للذهاب إلى المدرسة ثم تم سلبها منها”. ‏

صورة ل”دارين”، محور تركيز أحدث أفلام المجلس النرويجي للاجئين. تصوير: زينب ميلادان / المجلس النرويجي للاجئين

كما تحدّث ويلر عن مدى تعلّق دارين بمفهوم المدرسة، لدرجة أنها تستعيد المعلومات التي ‏تعلّمتها في الصف وتلقّنها للأطفال الآخرين في المخيم. أضاف: ” لقد بدأت في تعليم إخوتها الصغار ما تعلمته خلال الشهر الذي قضته في المدرسة. لقد ‏أصبحت معلّمة مؤقتة لهؤلاء الأطفال وأرادت أن تنقل ما تعلمته”. ‏

وعلى الرغم من أملها وسعادتها، قال ويلر إن دارين كانت تعلم أن مستقبلها سيمضي “في العمل ‏بالحقول”. ‏

وتابع: “أردنا حقاً تسليط الضوء على هذه القضية. نعتقد أن جائحة كوفيد 19 كان لها تأثيراً ‏كبيراً على الأطفال في جميع أنحاء العالم، ولكن مع عودة العالم إلى الحياة الطبيعية ببطء، لا ‏يزال هؤلاء الأطفال يكافحون للعودة إلى حياتهم الطبيعية”. ‏

‏”وإذا لن نفعل أي شيء، فسوف يتأثر هؤلاء الأطفال لبقية حياتهم، لا سيما أن الكثير منهم ‏عالقون في هذا الوضع”. ‏

يذكر أن المجلس النرويجي للاجئين هو إحدى المنظمات غير الحكومية في لبنان التي تدير برامج ‏التعليم غير النظامي، والتي يتم تنظيمها بهدف سد الفجوة التعليمية وإعداد الأطفال للانتقال في ‏نهاية المطاف إلى التعليم الرسمي. 

وقالت إيلينا ديكوميتيس، مديرة الدعوة في المجلس النرويجي للاجئين: “هدفنا ‏النهائي هو حماية حق الأطفال اللاجئين في التعلّم أثناء فترة نزوحهم في لبنان”. ‏

وأشارت الى أن “حافة الوادي” هو جزء من أحدث حملة للمنظمة بهدف زيادة الوعي لمخاطر ‏عمالة الأطفال في بلد يعاني. ‏

وأضافت ديكوميتيس: “أن السبب الجذري لعمالة الأطفال هو الفقر. من دون الوصول إلى فرص ‏لزيادة الدخل، لن يكون أمام اللاجئين والعائلات اللبنانية الفقيرة خيار آخر سوى اللجوء إلى ‏‏’استراتيجيات التأقلم الضارة’ للبقاء على قيد الحياة. بالإضافة إلى عمالة الأطفال، تشمل هذه ‏الاستراتيجيات تخطّي وجبات الطعام وتأجيل الرعاية الصحية التي هم بأمس الحاجة إليها”. ‏

واعتبرت في الختام، أنه “لا يزال من المهم رفع مستوى الوعي بشأن التحديات التي يواجهها ‏الأشخاص المهمّشون في لبنان، حيث تستمر العلاقة بين المجتمع المضيف واللاجئين في التدهور ‏مع تدهور الوضع الاقتصادي”.

Exit mobile version