تسبّبت الأزمات الإقتصادية والسياسية والصحية في لبنان في تأزم الصحة النفسية لسكان البلاد، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفاً تحديداً اللاجئين السوريين.
ويشكّل اللاجئون السوريون 1.6 مليون مليون من أصل 6.8 مليون شخص في لبنان في السنوات التسع منذ بدء الحرب في سوريا. ولقد أصبح هؤلاء اللاجئون عرضة للخطر الإقتصادي جرّاء هذه الأزمة، فتحذّر وكالات الأمم المتحدة من أن تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين في لبنان يعيشون الآن في فقر شديد.
الجدير بالذكر أن معظم هؤلاء اللاجئين يقيمون في المخيمات، ومن المعروف أنهم يفتقرون إلى إمكانية الوصول للموارد الرئيسية مثل مياه الصرف الصحي، خدمات النظافة، البنية التحتية، والكهرباء.
ومع بداية أزمة كورونا، كان على اللاجئين مواجهة الوباء إلى حد كبير من دون الوصول للصرف الصحي المناسب، بالإضافة الى ذلك، فإن الإكتظاظ في المخيمات يجعل إمكانية التباعد الجسدي أمر صعب، ممّا يزيد من خطر تعرّضهم للمخاطر الصحية.
وبشكل عام، أثبت وباء كورونا أنه كان ذو تأثير كبير على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل خاص. ولكن بالنسبة للاجئين، تتضخّم هذه الآثار لأنهم يعيشون في خضّم صراعات مع صدماتهم ومخاوفهم الصحيّة وسط قلق متزايد بشأن أوضاعهم الإقتصادية والقانونية غير المُستقرّة.
وقد أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بأن “وباء كورونا قد أدّى إلى تفاقم المشاكل التي يعاني منها اللاجئون بشكل كبير مع زيادة أعباء الحياة لدى تلك الفئات المُستضعفة. وتسبّب هذه المشاكل الكثير من المشاكل النفسية، والتي قد تؤدّي في الوقت عينه إلى عواقب اجتماعية طويلة الأمد”.
محاربة أزمة ثلاثية
في لبنان، يواجه اللاجئون العديد من المصاعب في ظل الأزمات في البلد، كل هذا وفي ضوء انفجار المرفأ في بيروت العام الماضي، إضافة أيضا لمواجهة مخاوف الإخلاء والتمييز المستمر من قبل غالبية المجتمع اللبناني، حيث تتضاءل سبل العيش وتزداد الضغوط النفسية والإجتماعية.
وتم الإبلاغ عن حالات انتحار متعدّدة بين اللاجئين، إذ شهدت مناطق عدة في لبنان تهديدات متزايدة بإيذاء النفس وإيذاء الآخرين أثناء الخلافات الأسرية. كما ازداد العنف المنزلي بشكل خاص، حيث أصبح أفراد الأسرة والأطفال، وخاصة النساء والفتيات، معرّضين للخطر في المقام الأول.
“تشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها الى أن الضائقة الاجتماعية والمشاكل المعرفية والآلام المزمنة واضطرابات ما بعد الصدمة هي عادةً ردود فعلٍ موثّقة من حالات التوتر المطوّل بين اللاجئين في لبنان”.
وكانت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الى جانب العديد من المنظمات الشعبية الأخرى، قد دعت الى تنفيذ خدمات الصحة العقلية اللازمة لرفع مستويات المعيشة لدى النازحين السوريين. وبالرغم من ذلك، فقليلا ما ترى أي من تلك الخدمات في المنطقة، إذ لا يزال موضوع الصحة النفسية “من المحرّمات” في جميع أنحاء البلاد.
الوصول إلى المجتمعات المُستضعفة
على الرغم من ذلك، تقوم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات الشعبية والدولية الأخرى بزيادة أنشطة الصحة العقلية والدعم النفسي الإجتماعي. وقد قدّمت المنظمة جلسات للصحة النفسية والدعم النفسي الإجتماعي للاجئين المتضرّرين من إنفجار بيروت.
وقد تمكّن متطوّعو توعية اللاجئين من الوصول لأكثر من 4000 شخص من خلال رسائل الدعم النفسي والإجتماعي منذ بداية وباء كورونا.
وفي مقابلة مع موقع “Beirut Today”، قالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤن اللاجئين ومسؤولة اتصالاتها، ليزا أبو خالد إنه في شباط/فبراير 2020، قدّمت المفوضية سلسلة من التدريبات على الإسعافات الأولية النفسية لجهات الإتصال الأمامية للمفوضية، مثل موظفي التسجيل ومشغّلي الخط الساخن.
وبذلك، تكون المفوضية تجهّز موظفيها لاستعمال تلك التدريبات عن بعد أثناء وباء كورونا عندما أصبح التباعد الإجتماعي هو القاعدة.
وقد ذكر التقرير أنه: “منذ شباط، وصل متطوعو التوعية والمجموعات الإجتماعية وغيرها من الهياكل إلى أكثر من 332.000 فرد (أكثر من 50% منهم هم نساء) من خلال جلسات المعلومات والتوعية الإفتراضية، بما في ذلك رسائل الوقاية من وباء كورونا، ومهارة الأمومة والأبوة، من بين أمور أخرى”.
ويتم إجراء بعض جلسات التوعية مع الفئات المُستضعفة من خلال منصات التواصل الإجتماعي مثل “واتساب” و “زوم”، مع جلسات متابعة عبر الهاتف.
وقد وجد التقرير، على وجه الخصوص أن “جهود الصحّة العقلية عن بعد قد أثبتت أنها طريق ناجح خلال هذه الفترات الصعبة، حيث تُواصِل المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة وشركاؤها تقديم جلسات الدعم النفسية والإجتماعية الفردية التي تجرى وجهاً لوجه”.
وقد تعاونت “مؤسسة مخزومي”، وهي مؤسسة غير حكومية محلية أسّسها النائب فؤاد مخزومي، مع وكالة الأمم المتحدة للاجئين لتقديم خدمات الصحة العقلية للاجئين السوريين واللبنانيين المستضعفين بتمويل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ففي الفترة التي أعقبت إنفجار بيروت، قدّمت المؤسسة مواعيد للاجئين المُتضرّرين نفسياً من الإنفجار حتى يتمكّنوا من طلب المساعدة.
الحاجة لموارد رخيصة أو مجانية للصحة النفسية
في أغلب الأحيان يؤدّي الضغط الإقتصادي الإضافي الواقع على المجتمعات المُستضعفة في لبنان إلى إجهاد إضافي لصحّتهم العقلية. هذا يعني أنهم غير قادرين على طلب المساعدة أو العلاج المكلف في لبنان. لكن العديد من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني تُقدّم المساعدة بتكلفة منخفضة أو بالمجان.
لأي شخص يشعر بضغط نفسي أو عاطفي ويفكّر بالإنتحار، هناك منفذ إضافي آخر لدعم الصحة العقلية وهو “Embrace Lifeline ” المجاني (1546). الخط الساخن بالمشاركة مع البرنامج الوطني للصحة النفسية لوزارة الصحة العامة، متاح للجميع في لبنان المواطنين والمقيمين واللاجئين على حد سواء.
ليست هناك حاجة لإعطاء اسمك عند استخدام الخط الساخن الذي يُقدّم الدعم العاطفي ويُعزّز منع الأنتحار، وكلاهما ضروري لأن أعباء البلد تزداد وتزيد الأرهاق وتستنفذ الجميع.
وقد قالت هبة دندشلي، مديرة العلاقات العامة والإتصالات في (Embrace)، في مقابلة سابقة مع ” Beirut Today”: “الإنتحار مشكلة صحّية عامة يمكن الوقاية منها”. بينما ترتبط 90% من حالات الإنتحار بمرض عقلي قابل للعلاج، وتلعب العوامل الإجتماعية والبيئية أيضاً دوراً مهماً في منع الإنتحار.
كما تُقدّم المفوضية دعماً متخصّصاً من خلال وكالات متخصّصة مثل (Restart)، ولديها اتفاقيات وتقدّم المشورة لمن هم في أمسّ الحاجة إليها. فيما يتعلّق بالخدمات المتخصّصة والسريريّة، تضمن المفوضية وصول اللاجئين وأفراد المجتمع المضيف المستضعفين إلى خدمات الصحة العقلية من خلال شركائها المنفّذين”.
وتمتلك وكالة (ريستارت) مركزان، أحدهم في مدينة طرابلس ويمكن التواصل معه على الرقم (009616410577) والآخر في منطقة فرن الشباك ويمكن التواصل معه على الرقم (009611291066).
وتقدّم المفوضية بعد ذلك الرعاية من خلال ثلاثة منافذ رئيسية: الأول هو مرفق الرعاية الصحية الأوّلية والذي يقدّم خدمات صحية “للأشخاص المعنيّين في نهج طبي شامل، بما في ذلك ضحايا التعذيب وصدمات الحرب، والأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية، وضحايا العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس، وما إلى ذلك”.
والثاني هو الرعاية المؤسسية، حيث تغطي وكالة الأمم المتحدة 90% من التكاليف من خلال برنامج رعاية الإحالة الخاصة بها. وعادة ما تتم إحالة المرضى المحتاجين الى مثل هذه التدخّلات من منظمات أخرى”.
أخيراً، تقدّم المفوضية خدمات متخصّصة في مراكز الإحتجاز، مثل المراقبة والإستشارة، بالإضافة الى الدعم المركّز غير المتخصّص، حيث تجري تدخّلات على الصحة العقلية والدعم النفسي والإجتماعي من خلال إدارة الحالات والخدمات غير المتخصّصة في مراكز الإحتجاز.