تشارك دول غربية ومنظمات دولية في تقديم الدعم لقطاعي الأمن والقضاء في لبنان بشكل مستمر منذ سنوات، بهدف تعزيز قدرات الدولة اللبنانية في الحفاظ على الأمن وتوفير العدالة والإصلاح القضائي، مع صون حرية التعبير والمحافظة على حقوق الإنسان.
يشمل هذا الدعم مجموعة واسعة من الإجراءات، بما في ذلك تقديم المساعدة الفنية والتدريب والتمويل لتعزيز القدرات الأمنية والقضائية في لبنان، بالإضافة إلى المساعدة في تطوير وتعزيز المؤسسات القضائية والأمنية والإدارية في لبنان، بما في ذلك تطوير الإطار القانوني والتشريعي وتحسين العمليات الإدارية.
وتشارك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها من الدول في تقديم الدعم. وتم تنفيذ العديد من المشاريع والبرامج الناجحة في هذا الصدد، ولكن وبالتزامن مع دعم الأجهزة الأمنية والقضائية نجد أن هناك انتهاكاً لحقوق الإنسان وحرية التعبير، مع تحوّل الدولة إلى دولة بوليسية عند أي استحقاق حقوقي ديموقراطي.
الأولوية لحقوق الإنسان والحريات
مؤسسة “سمير قصير” نشرت دراسة تحت عنوان: “الدعم الدولي لقطاعَي الأمن والقضاء في لبنان” سلطت فيها الضوء على زيادة انتهاكات حقوق الإنسان والحرّيات رغم دعم الأجهزة الأمنية والقضائية، وحاولت الدراسة فهْم أسباب الفجوة بين مساعدة الجهات المانحة الغربية لهذه المؤسسات من جهة – وهي مساعدة تُعطي الأولوية لاحترام حقوق الإنسان والحريات المدنية – والزيادة في انتهاكات مؤسسات العدالة الجنائية من جهة أخرى.
ولتحقيق هذا الهدف، سعت الدراسة، التي أعدّها أسامة غريزي، إلى الإجابة عن الأسئلة التالية:
كيف يقدّم المانحون الدوليون المساعدة إلى المؤسسات الأمنية والقضائية اللبنانية؟
ما هو تأثير هذه المساعدة على الأداء المتعلّق بحقوق الإنسان والحرّيات المدنية؟
ما هي التحدّيات التي تترافق مع تقديم الدعم الهادف إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريّات المدنية في البلاد؟
وبحسب الدراسة، من شأن الإجابة عن هذه الأسئلة أن تساعد المجتمع الدولي والمجتمع المدني اللبناني والجهات الفاعلة الحكومية على فهم الحدود التي يصطدم بها دعم المانحين. وسيوضّح ذلك أيضاً الخطوات التي يمكن اتّخاذها لزيادة فعالية المعونة المقدّمة من المانحين، بغية تعزيز حقوق الإنسان والحرّيات المدنية وصونها.
تسليط الضوء
معد الدراسة أسامة غريزي أوضح لـ”بيروت توداي” أن هدف الدراسة ليس توجيه إدانة للجهات المانحة أو المؤسسات الأمنية والقضائية، بل تسليط الضوء على ما أنجز في المبالغ التي تم كشفها بما يتعلق بالدعم الدولي للجهات الأمنية والقضائية في قضايا حقوق الإنسان والحريات المدنية.
وإذ شدد على أن الدراسة تحدد الصعوبات المقبلة وتعزز المساعدات من الدول المانحة والمنظمات في المستقبل وتخفف الانتهاكات بحقوق الإنسان، أكد أن الدراسة عممت على وسائل الإعلام، ويبقى أن تسعى مؤسسة “سمير قصير” إلى تعميمها على الجهات المانحة.
وثيقة حيّة
المسؤول الإعلامي في مؤسسة “سمير قصير” جاد شحرور أكد لـ”بيروت توداي” أن الدراسة نشرت على الموقع الرسمي لمؤسسة “سمير قصير” وعلى “سكايز ميديا” وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتم توزيعها على الإعلام وعلى الجهات المانحة وعلى المؤسسات التي تعمل في فلك المنظمات غير الربحية.
وأوضح أن الدراسة تعتبر وثيقة حيّة موجودة لتستخلص منها الجهات المانحة العبر تجاه الأخطاء في تقديم الأموال، وليس فقط للأجهزة الأمنية والقضائية في لبنان بل لأية جهة كانت من دون وضع معايير محاسبة، حاثاً الجهات المانحة على وضع معايير وقيم وخطوات لمراجعة جميع المشاريع التي تقدمها للحكومة اللبنانية عموماً أو لأجهزة الأمن والقضاء خصوصاً.
ويواجه لبنان تحديات عدة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وتشمل هذه التحديات الاعتقالات التعسفية والتعذيب والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، وتتم هذه الممارسات على يد جهات معينة داخل قطاعي الأمن والقضاء، ولا يمكن وضعها على عاتق المجتمع الدولي بأكمله.
مساعدة بقيمة 324 مليون دولار
ولاحظ شحرور أن الدراسة الحديثة توثق تلاعب القوى الأمنية على الجهات المانحة، كاشفاً أن الدول المانحة قدمت إلى الأجهزة الأمنية مساعدات بقيمة 324 مليون دولار خصصت للحريات المدنية والحفاظ على حقوق الإنسان ولا تتعلّق بالتدريبات العسكرية، ولكن الملفت للنظر أن مبلغاً كهذا لم يساعد لبنان على تعزيز المشهد الديموقراطي أو وقف الانتهاكات على حرية التعبير والصحافة.
وأضاف: “منذ العام 2017 ولغاية اليوم سجلت مؤسسة “سمير قصير” أكثر من 700 انتهاك في المجالين الإعلامي والثقافي، وهذه الأرقام تشير إلى أزمة كبيرة في وضع الأموال بيد الأجهزة الأمنية والقضائية، وما تفعله هذه الأجهزة هو بمثابة التفاف على هذه المنح عبر تجهيز بعض الأشخاص لخوض التدريبات، ولكن حين يتعلق الأمر بالشرطة المجتمعية خلال التظاهرات تقوم الأجهزة الأمنية بإرسال مجموعات أخرى لم تخضع للتدريبات، وتعالج الموضوع عبر الرصاص الحي أو المطاطي أو القنابل المسيلة للدموع أو ضرب المواطنين العزل والصحافيين كما حصل في السابق”.
وأكد شحرور أن هناك سوء استخدام للأموال من قبل الأجهزة الأمنية والقضائية مقابل استسهال من قبل الجهات المانحة ومن دون تقييم نتائج التدريبات التي أجريت، وتالياً “لا رقيب ولاحسيب”، مذكّراً بأن الأجهزة الأمنية والقضائية هي جزء لا يتجزء من نظام المحاصصة لذلك ستبقى الأموال الممنوحة لها تخضع للأحزاب وتردع الديموقراطية وتعزز مزاج الأحزاب الحاكمة.
تعزيز حقوق الإنسان
وأظهرت الدراسة أنّ مشاريع مساعدة القطاع الأمني والقضائي الهادفة إلى تعزيز حقوق الإنسان والحرّيات المدنية لا تستهدف بعض المؤسسات الأكثر ميلاً إلى ارتكاب المخالفات. ومع أنّ حمل هذه الكيانات على تغيير سلوكها يتطلّب وجود عوامل أخرى، كالتخلّص من النفوذ السياسي المفرط، إلا أنّ التركيز على المؤسسات والجهات الفاعلة الأكثر ميلاً إلى ارتكاب المخالفات سيساهم، على الأقل، في غرس حسّ أكبر بالمهنية واحترام الواجبات في هذه المؤسسات، مما يمكن أن يثمر عن نتائج أفضل في المدى القريب.
مع ذلك، فإن الدعم الدولي لقطاعي الأمن والقضاء في لبنان يهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان وتعزيز الحكم الرشيد والعدالة في البلاد، ومن المتوقع أن يساعد هذا الدعم في التصدي لهذه التحديات بشكل فعال في حال راقبت الدول والمنظمات المانحة كيف تصرف الأموال. ويتم تشجيع الدول المانحة على توجيه جهودها لتحسين الوضع الحقوقي في لبنان، وعلى الحكومة اللبنانية أن تتحمل مسؤولياتها في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في البلاد.