انتظر الشأن العام الزلزال والهزّات الأرضية لتسليط الضوء على طرابلس والمباني المهددة بالسقوط ولكن لم تنشأ هذه المشاكل بعد الزلزال.
تعاني طرابلس من مشاكل في الهندسة المعمارية والطرقات التي تحتاج إلى صيانة منذ سنوات عديدة حتى بات الأمر موضوعاً لا تتكلم عنه مواقع التواصل الاجتماعي، وبالرغم من أن هذا الموضوع لا يظهر على التلفاز كثيراً، ولا على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الأبنية في طرابلس لا تزال بخطر دائم وخوف يوميّ من انهيار الأبنية والشرفات.
يقول البعض إن الإهمال الذي يحصل في طرابلس يأتي نتيجة إهمال المواطنين في الإبلاغ عن خطر الانهيار، ولكن في حديث مع الباحثة والمنسقة في قسم الأبحاث في “استوديو أشغال عامّة” تالا علاء الدين، توضح بأنه “خلال الشهر أو الشهرين ما قبل الزلزال، وصلت تبليغات لمرصد السكن في الاستوديو عن التهديدات السكنيّة التي يتعرّض لها سكان أحياء طرابلس في المباني السكنية التابعة لهم، وتلك التهديدات متعلقة بشتّى أنواع التهديدات السكنية ومنها وضع المبنى ووضع المسكن”، وأضافت في حديثها لـ”بيروت توداي” بأنه “وصل إبلاغ من أربعة مباني في طرابلس قبل شهر من الزلزال. بعد تبلّغنا هذه المعلومات، أرسلنا مهندس معماري للتأكّد فعلياً إذا كانت هذه الأبنية مهدّدة بالسقوط أم لا وتبيّن في التقييم الهندسي أن هذه الأبنية المبلّغ عنها هي في خطر سقوط ويجب أن تخضع لتدخلات وصيانة ودعم وترميم”.
وبالرغم من الجهود التي بلغها “استوديو أشغال عامّة”، لم تمدّ الدولة يد العون لمساعدة سكان هذه الأبنية، وقالت علاءالدين: “لم يكون هناك أي تجاوب من البلدية بعد أن حاولنا أن نرسل لها كتاب وحاولنا الوصول إلى جهات تستطيع أن تقدم تمويل لدعم هؤلاء الأشخاص المستأجرين والمالكين لأن أوضاعهم لا تسمح لهم بترميم الابنية”.
عندما حاول “استوديو أشغال عامّة” طلب المساعدة قبل شهر من الزلزال، لم يتلقوا أي رد، وبعد شهر واحد اتصل سكان تلك المباني بالاستديو بعد الزلزال لإبلاغهم أنهم تركوا منازلهم، وأنهم عالقون في الشوارع لا يدرون إلى أين يذهبون لأنهم خائفون من انهيار منازلهم.
وأفاد المهندس المعماري باسم زودة لـ”بيروت توداي” بأن طرابلس كانت ولا تزال تعاني من مشاكل عدة، وهذه المشاكل ليست حديثة بل يعاني منها سكان طرابلس الآن نتيجة الإهمال الذي حصل منذ أكثر من 30 عاماً، موضحاً “أرى أن ما حصل بعد الزلزال هو شيء إيجابي إضافةً إلى سلبيّات الهزة، ولكن المهمّ أنه أصبح هناك وعي تكوّن للجان من خلال اتّحاد بين نقابة المهندسين و بلدية طرابلس والأوقاف الإسلامية لأنها تملك جزء كبير من هذه الأراضي والمباني. إضافةً الى مركز الترميم في الجامعة اللبنانية الذي يتّحد مع اللجان والمتطوعين من أجل تشكيل لجان تكشف على الأبنية لحماية الأبنية المعرضة للخطر”.
الحالة النفسية لسكان طرابلس
مع انهيار العملة اللبنانية وتدني المستوى المعيشي في لبنان، من الطبيعي أن يعيش سكان طرابلس في محيطٍ فقيرٍ يفتقد إلى الكثير من الاهتمام النفسي، لا سيما الاهتمام الاقتصادي والسياسي. ولا شك أنه بعد كل التدهور الذي تعيشه طرابلس، لم يعد مواطنيها وسكانها قادرين على تحمل المأساة، وعلّق زودة على هذه النقطة قائلاً: “كل من يسكن في طرابلس حالياً يراقب التربة في حال تحرّكت وتعرّض البلد لهزة أرضية مجدداً. بعد حصول أول هزة، تداولت شائعات عن حصول هزات أخرى، وهذا دفع سكان طرابلس إلى الهروب من منازلهم باتجاه الطرقات، وانهارت النفسيات ولم تعد تحتمل”، وأضاف: “إذا أردنا التكلم عن الصحة النفسية للمقيمين في طرابلس فهي حالياً لم تعد تتحمل أي شيء، خاصةً الأفراد الذي وضعهم تعيس وتعبان”.
حقيقة الأوضاع في طرابلس وتداعيات حرق البنوك والدواليب
يوم الإثنين الماضي، قطع معتصمون في طرابلس الطريق أمام مصرف لبنان بالاتجاهين، حيث قام عدد منهم بتشعيل الإطارات ورميها من فوق السور إلى باحة المصرف، وتشكّل هذه الأحداث من حرق الإطارات والنحاس والمواد السامة خطراً صحياً على أهالي طرابلس، ويؤثر ذلك على البنية التحتية في طرابلس والبداوي.
وللعلم فإن زودة مقيم في طرابلس، ولذلك طلبنا منه توضيح عن هذه الأحداث حيث قال: “الغريب هو إنه عندما كان الدولار يتخطى 20 ألف ليرة، كان المحتجون يسكرون جميع الطرقات وتعلو الصرخة، أما اليوم فلا تشهد الساحات هذا المشهد، ونشعر أن المجتمع قد تكيف مع الوضع. ولكن خلال الأحداث التي تحصل في البنوك، نرى شبان لا يتجاوز عمرهم الـ15 عاماً يحرقون الإطارات وهم لا يملكون حسابات في البنك أساساً ويطرح ذلك اسئلة عدة: من حركهم على النزول إلى الشوارع؟”.
ما هي الخطة المستقبلية لطرابلس؟
وبحسب زودة، طرابلس الآن بحاجة إلى خطة طوارئ تحتاج إلى تمويل ودعم للمباني التي تنهار، إضافة إلى تحرّك طارئ لأن هناك عدد كبير يتخطى الـ700 مبنى، وتلك المباني معرضة للسقوط، وهذا يعني أن عدد المقيمين في تلك الأبنية يتخطى الآلاف. حيث يوجد في المناطق القديمة الكثير من المباني القديمة التي تم بنائها خلال الأحداث، وبنيّت من دون تنسيق معماري، وتخضع لمخالفات عدّة حتى أنها قد تكون مبنية على يد أشخاص لم تدرس فن الهندسة وأصولها.
ما هو مصير هذه المنطقة السياحية التي تفتقد إلى التغطية الإعلامية والتي تكاد أن تنهار؟ ومع ازدياد التوتر في المنطقة وارتفاع حالة الذعر، إلى أين تتجه طرابلس؟ وكم من الوقت ستظل تحت هذا الضغط قبل أن يحين موعد الفرج؟