بعد فقاعة الأمن الذاتي والحديث عن ميليشيات جديدة ولدت من رحم الأحزاب المسيحية، هدأت عاصفة ظهور عشرات الاشخاص يحمل بعضهم سيوفاً وصلباناً في منطقة الأشرفية.
ظاهرة “جنود الرب” تملّص منها نواب المنطقة وفاعلياتها، وانقسم الشارع فيها بين مؤيد لها ومعارض، في ظل غياب تام للأجهزة الأمنية التي لم تعلّق أو تعتبر أن هذه التجمعات غير قانونية أو أنها نوع من الأمن الذاتي.
النائبة بولا يعقوبيان وجّهت أصابع الإتهام بإنشاء هذه “المجموعة” إلى أنطون صحناوي رئيس مجلس إدارة بنك سوسيته جنرال في لبنان SGBL، الذي يموّل المجموعة بالأسلحة والموارد المالية، وتحدثت عن تواطؤ مقلق بين “جنود الرب” وقوى الأمن الداخلي، التي نفته الأخيرة جملة وتفصيلاً.
وكشفت يعقوبيان لـ”بيروت توداي” أن “جزءاً من أعضاء المجموعة كانوا منتسبين سابقاً إلى حزب “القوات” اللبنانية، ولدى البعض سجلات جنائية في السابق، وغالبيتهم يحصلون مباشرة على رواتب من صحناوي”.
(وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: “مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!”)… بهذه الآية رد “جنود الرب” على اتهام يعقوبيان، وقال متحدث باسمها: “كل انسان لديه سوابق، وكل انسان لديه الحق بالحصول على فرصة جديدة لبدء حياة جديدة وتكفير عن اخطاء الماضي”.
المتحدث الذي قال إنه يدعى روجيه أسعد بعد التواصل مع صفحة “جنود الرب” على موقع فيسبوك، أجرى حديثاً مطولاً مع “بيروت توداي”، فشرح من هم وتحدث عن قائدهم وعددهم وأهدافهم.
وهناك اتهامات بتلقي “جنود الرب” دعماً من جهات كنسية وسياسيين ورجال أعمال، وتسعى لتطبيق تعاليم الكتاب المقدس عنوة، إلا أن أسعد أوضح أن المجموعة تسعى إلى نشر كلمة الله وتعاليمه، وتحاول توعية الناس على الكتاب المقدس ووصاياه التي تحرم الزنى والشواذ وغيرها من الأمور، لذلك “لا نحتاج إلى رخصة” لنشر هذه التعاليم.
“يتكلمون باسم المسيح”
وبرزت المجموعة أخيراً بعد قيامها بمنع أي نشاط أو إعلان لمجموعات المثليين في منطقة الأشرفية وإزالتها للوحة إعلانية لهم، وتعرّف عن نفسها بأنها جماعة دينية مسيحية تخدم الإنجيل، وليست مليشيا مسلحة، فالأعضاء “يتكلمون باسم المسيح”، ويدافعون عن الكتاب المقدس والمسيحية والمسيحيين.
وفي 10 كانون الأول الماضي وقع خلاف في ساحة ساسين في منطقة الأشرفية بين أهالي المنطقة ذات الغالبية المسيحية وبين مجموعة شبان من خارج المنطقة وصلت على دراجات نارية ترفع أعلام المغرب والأعلام الفلسطينية والسورية، احتفالاً بفوز منتخب المغرب وتأهله إلى الدور نصف النهائي من كأس العالم.
ونفى أسعد وجود علاقة بين “جنود الرب” والإشكال في الأشرفية، وقال: “حادثة الدراجات النارية لا علاقة لنا فيها، ولا وجود لأي شخص ينتمي إلى “جنود الرب”، ليس تهرباً من القضية ونحن نقول الحقيقة حتى لو كانت صعبة، وعلمنا الرب يسوع “وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ”.
وقال: “ليس لدينا اي دور بالامن الذاتي، نحن نحترم الموسسات الامنية الشرعية على رأسها الجيش وقوى الامن، ولكن إذا كان هناك تقصير في بعض الاماكن وكنا موجودين نحاول أن نساعد اهلنا في مناطقنا وشوارعنا الى ان تصل القوى الامنية، مثلنا متل اي شاب لبناني يغار على عرضه وشرفه واهل منطقته”.
“كل شاب يرى أي مصيبة او مشكلة تحصل في شارعه ولم يتحرك ليساعد يكون مثل الساكت عن الحق، فهو شيطان اخرس، وهذا الأمر بغض النظر إذا كان هناك “جنود الرب” أو لم يكن، فهكذا تربى شبابنا في بيوتهم على مساعدة الجار ومنع اي تعدٍ، أو سرقة كان او اي شي يعرض الحياة والممتلكات العامة والخاصة للخطر”.
1600 متابع
“هناك 4 “مجموعات” وكل مجموعة تتضمن 400 شخص، والمجموعات مفتوحة لكل شخص يحب أن يسمع الانجيل اليومي”:… قال أسعد، الذي أكد أن في كل بيت هناك “جنود الرب”، والمسؤول عن المجموعات هو الأخ جوزيف منصور الذي يرفض فكرة الأمن الذاتي، وكل انسان معمد بنعمة الروح القدس ويسير على تعاليم الكتاب المقدس هو “جندي الرب”.
وشدد أسعد على أن “عملنا هو كرازة وتبشير اما عمل الأحزاب فهو سياسي واجتماعي، وقال: “أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى لأُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ، حَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِهِ.”
وأكد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أن “الأمن الذاتي ممنوع في لبنان ولن نسمح بالفوضى”، لافتا إلى أن “مؤسسة قوى الأمن تتعرض للتجني، والمعيب هو سكوت الناس عن هذا الأمر، وهناك من يتساءل كيف أن مؤسستنا بقيت صامدة رغم كل الصعوبات وكأنهم يسعون للحلول محلها…”.
وأعرب رئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت جمال عيتاني، عن رفضه لـ”محاولات فرض أي شكل من أشكال الأمن الذاتي في بيروت”، مؤكداً أن المجلس البلدي “لم يمنح أي موافقة ولو طلبوها هم أو سواهم، فما كنا لنقبل”.
الأمن الذاتي
إذاً الأمن الذاتي ممنوع، ولكن رغم تأكيد المتحدث باسم “جنود الرب” أن عملهم ينحصر فقط في نشر التعاليم الدينية، إلا أن دوريات الحراسة الليلية بدأت بالظهور في الآونة الأخيرة في أحياء السوديكو والتباريس وفرن الحايك والجميزة والحكمة، حيث تسعى جمعية أشرفية 2020 إلى تغطية كامل أحياء الأشرفية، والاستعانة بشباب من أبناء المنطقة.
وأعرب الكثير من اللبنانيين عن مخاوفهم من ظهور هذه الجماعات، التي تقوم بأنشطة حماية وأمن ذاتي بشعارات ولباس موحد، لاسيما أن للبنانيين تجربة مع من سبقهم إلى ذلك، كحالة “حزب الله” مثلاً، فحملت التسمية التي اختاروها لأنفسهم.
لكن مراقبين يقللون من خطر هذه المجموعة ويعتبرونها ظاهرة طبيعية في بلد تغيب فيه الدولة ويتراجع فيه أداء السلطات الأمنية، وتشهد مناطق عدة، بينها الأشرفية تفلتاً أمنياً منذ مدة، وارتفعت جرائم السرقات وعمليات التشليح، وتكاد لا تمر ليلة من دون حصول عملية سرقة.