لا مؤشرات تلوح في الأفق توحي بانتخاب رئيس للجمهورية قريباً، ولم يتغير المشهد السياسي بعد فشل مجلس النواب لست مرات في انتخاب رئيس للبلاد ولا تزال الاصطفافات في مكانها، حتى ان عامل الوقت لم يعد يصب في صالح أحد في الداخل أو الخارج.
الخارج يمارس ضغطاً ويندد بالشغور الرئاسي الذي لطالما عانى منه لبنان ويكون الحل دموياً أحياناً، أما الداخل فلا يزال يتمسك بالمصالح ولم يتحرك قيد أنملة لكسر جدار التعطيل وانقاذ لبنان ومؤسساته المهترئة.
اصطفافات جديدة
ورغم سكون المشهد الرئاسي وسيطرة التعطيل نجد ان هناك مساعي خجولة لكسر جدار الجمود فنرى اصطفافات جديدة أو تكتلات نيابية مستقلة كاللقاء الذي عقد في مجلس النواب بتاريخ 15 تشرين الثاني الجاري، وضم 19 نائباً يمثلون 32 نائباً مستقلاً و”تغييرياً” ومنضوياً في كتل “الكتائب” و”تجدّد” و”مشروع وطن” و”الائتلاف النيابي المستقل”.
وتوافق المجتمعون على تشكيل ما يشبه أمانة سرّ للتنسيق في ما بينهم على الملفات المطروحة، وفي مقدمتها الاستحقاق الرئاسي، وأتى اللقاء بدعوة من حزب “الكتائب”، في مسعى منه لتوسيع “لقاء الصيفي” الذي شارك فيه 27 نائباً مطلع الشهر الجاري.
وأعطى المشاركون في اللقاء “الأولوية المُطلقة لكسر جدار التعطيل والاتجاه فوراً لانتخاب رئيس للجمهورية كمدخل لإعادة انتظام المؤسسات تطبيقاً للدستور وإنقاذاً للبنان”، محذرين من “خطورة الغوص في جلسات تشريعية تكون عاملاً لتكريس الشغور الرئاسي”.
البلد لا يحتمل الفراغ
النائب التغييري مارك ضو الذي شارك في اللقاء أوضح لـ”بيروت توداي” أن “لقاءاتنا واجتماعاتنا التنسيقية مستمرة لتقريب وجهات النظر، الى حين الاتفاق على اسم رئيس للجمهورية وفق آلية محددة وواضحة المعالم، لأن البلد لا يحتمل الفراغ وواجبنا الاتفاق على اسم الرئيس”.
وقال: “واجبنا كنواب الاستمرار في اللقاءات والمساعي الى حين انتخاب رئيس للجمهورية ومنع أقطاب المنظومة من تثبيت الفراغ القاتل للبنان واللبنانيين”.
ورداً على سؤال، ذكّر ضو بأن “أكثر من مليون لبناني نادوا بالحرية والسيادة والاستقلال، وطالبوا برفض الوجود السوري في لبنان في مظاهرات ١٤ آذار التي انبثقت من الشعب. طبعًا نحن مع هذه المبادىء التي طالب بها اللبنانيون”.
أما عن تغريد النائب وضاح الصادق خارج سرب النواب الـ13 التغييرين، فنفى ذلك، موضحاً أن “المقاربة كانت واضحة وهي العودة الى سلة الأسماء الواردة في المبادرة الرئاسية وفق أطر محددة”.
ولاحظ أن “ميشال معوّض هو الشخص الوحيد الجدّي الذي طرح نفسه مرشّحاً لرئاسة الجمهورية، لذلك نحن أقرب الى تسميته، مع العلم اننا الى هذه اللحظة نحن مع العودة الى المبادرة الرئاسية للنواب الـ13”.
مرشح جدي
كلام ضو يتطابق مع النائب التغييري المستقل إيهاب مطر، الذي لاحظ أيضاً أن “المرشح الجدي الوحيد لرئاسة الجمهورية حتى الآن هو ميشال معوض”. وقال لـ”بيروت توداي”: “لا نرى معوّض مرشحَ تحد، وهو يملك الكفاءة المطلوبة لهذه المرحلة. ونصوت له لتكون فرصة له كي يكون ايضا مرشحا توافقيا”.
وتابع: “الورقة البيضاء وبعض الشعارات الشعبوية لا توصلنا الى رئيس جمهورية. وفي حال كان هناك مرشح آخر فليقوموا بطرح إسمه ومن يملك أصوات أكثر يكون الرابح وفق الديموقراطية”، آسفاً لأن قوى سياسية ما زالت تتعامل مع إستحقاق بهذه الأهمية من منظار مصلحتها الحزبية الضيقة والمحاصصتية.
وكان مطر أجرى جولة على النواب السنة، لتوحيد الصف أمام الاستحقاقات المقبلة، ووضع جولته في اطار اللقاء الذي عقده مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان وجمع 24 نائباً سنياً من أصل 27 لتوحيد الصف.
ورداً على سؤال أكد مطر أن “الشغور الرئاسي واقع استثنائي وعلينا كنواب ان ننتخب رئيساً للجمهورية في أقرب وقت، فلا يجوز ترسيخ الفراغ عند كل استحقاق رئاسي”.
التكتل النيابي المستقل
أمام هذا الواقع ولد تكتل نيابي جديد لديه قواسم مشتركة وجمع كتلة “الاعتدال الوطني” التي تضم سجيع عطية (أرثوذكسي)، وأحمد رستم (علوي)، ووليد البعريني، ومحمد سليمان، وأحمد الخير، وعبد العزيز الصمد، مع النواب نبيل بدر، وعماد الحوت وبلال حشيمي، واتفقوا على التموضع في تكتل نيابي جديد يحمل اسم “التكتل النيابي المستقل”.
هذه الكتلة التي تتمسك باتفاق الطائف وتضم نواباً كانوا تحت راية “تيار المستقبل”، تصوّت بورقة “لبنان الجديد” في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ولاحظت أخيراً أن هناك قواسم مشتركة تجمع بقوى المؤيدة لميشال معوض.
أحد أعضاء هذه الكتلة، النائب محمد سليمان أوضح لـ”بيروت توداي” أن “مسألة انتخاب رئيس للجمهوية بالنسبة لتكتل الاعتدال الوطني تعتبر حاجة وطنية اليوم تتطلب تتضافر كل جهود الأطراف، ولن يعمل التكتل على عرقلة هذا الاستحقاق الدستوري، لذلك أعضاء التكتل حريصون على المشاركة الدائمة مع باقي النواب الحلفاء لهم”.
وجدد تأكيده ان “قرار التكتل نابع من ثوابت ومبادئ قاعدته الشعبية التي يمثلها ولن يكون قراره بجيبة أحد او لتعديل معايير القوى لشخصيات”، جازماً بالقول: “إما ان يكون القرار نابعاً من موقف وطني وبمواصفات وطنية تجمع القوى والحلفاء، وإما خيارنا سيبقى تحت الشعار الذي اتفقنا عليه مع بعض الحلفاء: “لبنان الجديد”.
الواقع السياسي المأزوم سيزيد الطين بلة على الدولة ومؤسساتها التي تعيش حالة هشة تقف معها على عتبة الانزلاق الى الفوضى، فتزداد حالة المواطنين سوءاً.