انتهت ولاية الرئيس ميشال عون نهار الأحد الماضي مغادرًا القصر الجمهوري، وفي اليوم ذاته، فاز لولا دا سيلفا برئاسة الجمهورية البرازيلية بعد أن سُجن ومُنع من الترشّح منذ بضعة أعوام.
وقد خاض المناضل اليساري دا سيلفا معركةً انتخابيةً حامية مع خصمه اليميني المتطرف جايير بولسونارو، التي انتهت بنتائج متقاربة 49.2 في المائة لبولسونارو في مقابل 50.9 في المائة لدا سيلفا. كذلك فإن دا سيلفا قد حاز في الجولة الرئاسية الأولى التي جرت أوائل الشهر الماضي على 48 في المائة من الأصوات في مقابل 43 في المائة من الأصوات لصالح بولسونارو.
أما عن اليوم الانتخابي، فقد أقبل المواطنون في جنوب وسط البرازيل على صناديق الاقتراع، بينما شهدت شمال البلاد توتراتٍ نتيجة عمليات التفتيش التي أجرتها شرطة المرور الفدرالية على الطرقات العامة. وقد أدى ذلك إلى استنفار حزب العمال اليساري الذي وصف الحادثة بالجريمة الانتخابية، وطالب بسجن رئيس الشرطة الفدرالية للمرور.
وبعد إعلان النتائج، وفي خطاب النصر، ندّد دا سيلفا بحاجة بلاده إلى “السلام والوحدة”، وأكد على أن البرازيل ستعود إلى الساحة الدولية ولن تكون منبوذةً، مشيرًا إلى أنه “ليس من مصلحة أحد أن يعيش في أمة مقسمة في حالة حرب دائمة”.
من هو لولا دا سيلفا؟
ولد لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في مدينة غارانيونز في ولاية بيرنامبوكو شمال شرق البرازيل في عام 1945، وكانت أسرته فقيرة جدًا، حيث كان والده يعمل بمدخول بسيط في مرفأ سانتوس على ساحل المحيط الأطلسي، والذي كان يعتمد عليه لإعالة زوجته وأبنائه التسعة.
ولم تسنح للولا فرصة التعلم إلا بعد بلوغه سن العاشرة لكنه لم يكمل دراسته، بل غادر لكي يعيل أسرته وعمل في مصنعٍ للحدادة، حيث فقد إصبعًا من يده اليسرى نتيجة حادثٍ خلال عمله. ومن شقى الطفولة، ولد دا سيلفا المناضل لأجل حقوق الطبقة العاملة وانخرط في العمل النقابي، وعند بلوغه سن الـ21 في عام 1975، ترأس دا سيلفا نقابة الحدادين في ساو باولو، كما سُجن مراتٍ عديدةٍ بسبب نضاله، وكانت البرازيل آنذاك تحت الحكم العسكري.
أسس دا سيلفا “حزب العمال” الذي بدأ به مسيرته السياسية في عام 1980، وبعد خساراتٍ عدة، فاز برئاسة البرازيل في عام 2002، ليكون أول رئيس يساري من الطبقة الفقيرة منذ تأسيس الجمهورية عام 1889، وأعيد انتخاب دا سيلفا عام 2006 لدورة رئاسية أخرى مضت حتى عام 2011.
ولكن لاحقته قضايا الفساد وسجن ومنع من الترشح لانتخابات الرئاسة في عام 2018، أمضى دا سيلفا 18 شهرًا منها في السجن، وأطلق سراحه بعد أن تبيّن تلفيق التهم عليه وعدم نزاهة القاضي، كي يعود اليوم إلى الساحة الرئاسية كاسبًا قلوب البرازيليين من الطبقة الكادحة.
لولا وفلسطين
يعد دا سيلفا من أبرز داعمي القضية الفلسطينية في نطاق أميركا اللاتينية، فقد اعترف بدولة فلسطين ضمن حدود 1967 في عام 2010، وكذلك زار الضفة الغربية وصرح عن حلمه برؤية فلسطين حرة مستقلة و”تحيا بسلام في الشرق الأوسط”، بينما ظهرت زوجة المنتخب الخاسر جايير بولسونارو في غرف الاقتراع مرتديةً قميص يحتوي على علم “إسرائيل”.
ودعا دا سيلفا خلال حملته الرئاسية الأخيرة إلى دعم الفلسطينيين في حقهم بإنشاء دولتهم، كما حث الأمم المتحدة على ذلك، وقد أظهرت الجالية الفلسطينية في البرازيل التي لطالما دعته إلى مناسباتها ترحيبًا لانتخاب دا سيلفا، ووصفت وزارة الخارجية الفلسطينية فوز الأخير بأنه: “فوزًا للديمقراطية ليس فقط في البرازيل، وإنما أيضًا ارتداداتها في بقية القارة والعالم”.
دا سيلفا وعون
قد لا تتباين أوجه الشبه بين الرئيسين، لكن عون وداسيلفا كلاهما عادا إلى الرئاسة. يقع الاختلاف هنا حول شعبية دا سيلفا في البرازيل، في مقابل عدم تقبل عون من قبل معظم اللبنانيين، وبدا ذلك واضحًا بعض أن عبر كثيرون عن فرحتهم بانتهاء ولاية عون الرئاسية.
بعد أن عمل قائدًا للجيش اللبناني، عين ميشال عون رئيسًا للحكومة الانتقالية خلال الحرب الأهلية عام 1988، واتخذ القصر الجمهوري مقرًا له عام 1989. دخل عون في مواجهاتٍ دامية مع الجيش السوري في لبنان وسمير جعجع، قائد حزب القوات اللبنانية، كذلك رفض اتفاق الطائف الذي تم التوصل إليه في العام نفسه. هرب عون من القصر الجمهوري عام 1990 ولجأ إلى السفارة الفرنسية التي أمنت ترحيله إلى باريس عام 1991.
ظل عون منفيًا في العاصمة الفرنسية حتى 2005، وعاد إلى لبنان وأسس “التيار الوطني الحر”، كما دخل البرلمان اللبناني بكتلةٍ نيابية. ترشّح للرئاسة في 2016 بعد عامين من الفراغ الرئاسي في لبنان. لكن نظام انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان لا يتم عبر الانتخاب المباشر من قبل الشعب كما في البرازيل، بل يجري عن طريق الكتل النيابية، ويشترط كذلك أن يكون المرشح مسيحيًا مارونيًا، وهنا يطرح السؤال نفسه: هل كان سيُنتخب ميشال عون رئيسًا لو جرت الانتخابات بشكلٍ مباشرٍ من قبل الشعب اللبناني؟
إن ميشال عون، وهو جنرال سابق، يمثل طبقة لبنان العسكرية، ومناصري “التيار الوطني الحر” شريحة صغيرة من المجتمع اللبناني، وقوى عون السياسية مرتبطة بتحالفه مع حزب الله. أمّا لولا دا سيلفا، فهو رمزٌ للنضال ضد الحكم العسكري في البرازيل، وقد انتُخب بشكلٍ مباشرٍ من الشعب البرازيلي.
وبينما تقع البرازيل في أزمةٍ إقتصاديةٍ حادة من غلاء وتضخم الأسعار، يأتي لولا ببذرة أملٍ لدى الطبقة الفقيرة، وخاصة بعد أن نجح بين 2002 و2011 من تخليص البلاد من الديون العامة ورفع الحد الأدنى للأجور، وإطلاق برامج اجتماعية عدة نجحت في انتشال ملايين البرازيليين من الفقر ومنحهم فرص التعليم والعمل.
أمّا لبنان، الذي أيضًا يقع في أزمةٍ اقتصاديةٍ خانقة فلا مخلص له. حيث تدخل البلاد الآن فترة فراغٍ رئاسي، خاصةً بعد أن باءت أربع محاولاتٍ لانتخاب رئيسٍ للجمهورية بالفشل. وقياسًا على كسب عون للرئاسة في عام 2016 بسبب تحالفه مع حزب الله، لم يُرشح الأخير أي اسم واكتفى نوابه بالإدلاء بالورقة البيضاء، كرسالة رفضِ انتخاب ميشال معوض، نجل الرئيس اللبناني الأسبق رينيه معوض، رئيسًا للجمهورية، فمن هو إذًا مرشح حزب الله الماروني؟