تعمل شركة مارفل استديو برعاية مديرها التنفيذي كيفن فايغي على استقدام المزيد من الشخصيات النسائية من القصص الهزلية إلى عالم مارفل السينمائي تمهيدًا لإطلاق المرحلة الخامسة، وبالتأكيد لن تكون المحامية جينيفر والترز/شي-هولك (تاتيانا ماسلاني) الاسم النسائي الأخير الذي يظهر على منصة ديزني بلس، وذلك طمعًا بعودة ألاكوا كوكس بشخصية مايا لوبيز/إيكو في مسلسلها الخاص العام القادم، علمًا أنها أول بطلة خارقة صماء من الشارع، والمقصود هنا الأسماء التي ظهرت مع سلسلة “ديفيندرز” على نتفليكس، قبل أن تستعيد مارفل استديو حقوقها.
بالعموم كانت بداية هذا التنوّع في مارفل استديو مع فيلم “الأبديون” الذي مُنع في معظم الدول العربية، وهو أول فيلم يضم طاقمًا تمثيليًا متنوعًا من مجتمعات مختلفة، بما في ذلك شخصية فاستوس (بريان تيري هنري)، أول بطل خارق مثلي الجنس في عالم مارفل السينمائي. ومع ذلك، فإن هذا التنوّع فيه الكثير من الخلل في المراحل السابقة، يبدو لنا ذلك واضحًا في شخصية ناتاشا رومانوف/الأرملة السوداء (سكارليت جوهانسون) التي تم إنصافها بعد عقد من التحيز الجنسي على الشاشة الكبيرة.
في حديثنا عن البطلات الخارقة اللاتي قدمتهنّ مارفل استديو للجمهور تبرز شخصية واندا ماكسيموف/الساحرة القرمزية (إليزابيث أولسن) التي تحولت إلى الشخصية الشريرة في نهاية مسلسل “واندافيجن”، وبعدها في فيلم “دكتور سترينج2”. وفي هذا الفيلم الذي قدم لنا صورة مختلفة عن واندا التي عرفناها في كواحدة من فرقة “الأفنجرز”، لكنها في الفيلم الذي كتبه مايكل والدرون، الرجل نفسه الذي كتب مسلسل “لوكي”، تحولت إلى الجانب المظلم من شخصيتها، وهو ما منح الجمهور صورة نمطية أخرى عن المرأة متوافقة في رؤيتها مع الكتابات الكلاسيكية السائدة.
واندا ماكسيموف.. من القصص الهزلية إلى الشاشة
مثل ما كان واردًا في القصص الهزلية التي سجلت ظهور واندا لأول مرة في العدد الرابع من سلسلة “إكس مان” (X-Man) في عام 1969 أولًا، والتحولات التي سجلتها الشخصية نفسها في القصص الهزلية ثانيًا، حيث كانت نهايتها بحصولها على قدراتها الخارقة من الاختبارات الجينية، وهي محور حديثنا بالنظر إلى ظهورها لأول مرة في عالم مارفل السينمائي في مشهد ما بعد النهاية في فيلم “كابتن أميركا: جندي الشتاء” 2014، يومها ظهرت محتجزة مع شقيقها التوأم بيترو في مختبر البارون وولفجانج فون ستراكر في سوكوفيا، وهو في يالقصص الهزلية أحد قادة منظمة هيدرا الإرهابية.
ومنذ هذا الظهور بدأت محنة واندا في عالم مارفل السينمائي، حيثُ خضعت شخصيتها للكثير من التغيرات بالتحولات الثلاثية لشخصيتها (عدو، حليف، شرير رئيسي)، فهي من الشخصيات التي تقول قصتها في عالم مارفل السينمائي إن والديها قتلا بصواريخ توني ستارك/الرجل الحديدي، وبعد اتحداها مع ألترون للانتقام من ستارك، تجد نفسها متحالفة مع “الأفنجرز”، قبل انضمامها إلى الفرقة الخارقة، وكانت محنتها الأولى بخسارتها شقيقها بيترو في معركة “الأفنجرز” ضد ألترون في فيلم “المنتقمون: عصر ألترون”.
وبعد ذلك، كانت عرضة للاتهام والمحاكمة والعزل داخل غرفتها بسبب لاغوس النيجيرية التي قتل فيها 11 شخصًا في “كابتن أميركا.. الحرب الأهلية”، ثم فرض عليها في “الأفنجرز: الحرب الأزلية” أن تنهي حياة حبيبها وزوجها فيجن بقتله حتى تمنع ثانوس من الحصول على حجر العقل، وهو رابع أحجار الأبدية، لأنها هي الوحيدة التي يمكن تدمير حجر العقل، ما يعني قتل حبيبها فيجن. فعليًا كانت هذه القصة مقدمة لعودتها في مسلسل “واندافيجن”، حيثُ سجل هذا المسلسل تحولها إلى الساحرة القرمزية بعد حصولها على كتاب “دارك هولد”، وامتصاصها القوى الخارقة السوداء للساحرة أجاثا هاركنيس.
واندا ماكسيموف والأنا المتغيّرة
قدم مسلسل “واندافيجن” جانبًا مختلفًا من شخصية واندا بعد أن قررت بناء عالمها البديل في بلدة “ويستفيو”، بجعلها تعيش مع فيجن وطفليها. للأمانة لم يعمل المسلسل على تطوير شخصية واندا بصورة معاصرة بعيدًا عن الصورة النمطية التي عرفناها في الأعمال السينمائية. صحيح أن واندا تختلف عن أشرار مارفل من كونها تريد أن تبني عالمًا بديلًا لا يهدف إلى تدمير البشرية أو السيطرة على كوكب الأرض، بقدر ما تريد أن تكون مع طفيلها وفيجن، لكنها ظهرت أيضًا بالصورة النمطية السائدة التي تقوم على أن النساء يقتصر تواجدهن في المنزل فقط، أما الفضاء الخارجي فإنه يخص الرجال.
اختارت مارفل استديو لاحقًا تحويلها إلى الشخصية الشريرة في “دكتور سترينج2” بعد محاولتها الحصول على القوى الخارقة لأميركا تشافير، البطلة الخارقة الوحيدة التي لديها القدرة على التنقل بين أكوان مارفل المتعددة، ما نعرفه من الفيلم أنه لدينا 838 كونًا، من بينهم الكون 616 الذي تدور فيه أحداث الفيلم. في هذه المحاولة تدخل واندا بالأنا المتغيّرة “الساحرة القرمزية” في معركة مع سترينج وأصدقائه السحرة في أكاديمية كامرتاج لتعليم فنون السحر، حيثُ يرى سترينج أنه من الصواب التحصّن في هذه الأكاديمية لحماية أميركا تشافيز من غضب واندا، قبل أن يتمكن سترينج مع تشافيز من هزيمتها في نهاية الفيلم، ويفرض عليها تدمير كتاب “دارك هولد” وردم جبل وندغورد فوق جسدها.
الصورة النمطية للمرأة في عالم مارفل
كانت مارفل استديو قد أصدرت 27 فيلمًا قبل “دكتور سترينج2″، وعلى مدار السنوات السابقة قوبلت أخطاء أبطالها الخارقين الذكور بالنسيان والعفو، وفي هذا الجانب لدينا الكثير من الأمثلة، واحد منها على سبيل المثال لا الحصر خطأ سترينج في التعويذة التي ألقاها في فيلم “الرجل العنكبوت: لا طريق للوطن”، وهو ما أدى إلى أزمة الأكوان المتعددة، في المقابل كان على واندا مواجهة مصيرها المشؤوم في هذا العالم متعدد الأكوان بعد حادثة “ويستفيو”، وتحولها إلى الساحرة القرمزية أو الشخصية الشريرة الرئيسية في الفيلم عينه.
في هذا السياق تبدو الحوارات التي دارت بين واندا وسترينج خير مثال لتحليل الأنا المتغيرة لشخصيتها، حيث تبدو واندا واثقة من نفسها عندما تتحدث عن وجود طفليها في كون آخر، أكثر من سترينج الذي يكافح في التعامل مع فشل علاقته العاطفية. ومن الواضح أن سترينج نفسه يعرف ذلك لكنه بالنسبة لبطل خارق فإنه من الضرورة الالتزام بالكذب والإصرار على أن واندا خلقتهما بالسحر، وفي دفاعها عن رغبتها بالجلوس مع طفيلها تقول واندا في حوارها جملة تبرر عقلانية عنفها: “هذا ما تفعله كل أم حرفيًا”، وتواجه سترينج بقولها: “ليس لديك أطفال”، وأخيرًا تؤكد على وجود طفيلها بالقول: “بل لهما وجود في كل كون إلا هذا (616)”.
تظهر واندا في “دكتور سترينج2” الكثير من عاطفة الأمومة على الرغم من الغضب الذي يسيطر عليها، وهو ما يظهر في مواجهتها لسترينج، في عودة سريعة إلى سلسلة أفلام “الأفنجرز”، كان سترينج قد قدم حجر الزمن لثانوس في “الأفنجرز: الحرب الأزلية” من أجل الحفاظ على حياة ستارك، ومع ذلك، وعلى الرغم من سيطرة ثانوس على الأحجار اللانهائية، ودمار كوكب الأرض، فإن سترينج لا يزال بطلًا في نظر الجميع، هكذا نستمع إلى رده على سؤال واندا: “هل كان هذا المبرر عندما أعطيت حجر الزمن لثانوس؟” ليجيب: “فعلت ما اضطررت إلى فعله”.
مرة أخرى ربما لنا في الاستعانة في حوارات واندا مع سترينج، لدينا فيها الكثير لنعرفه عن مسار شخصيتها في عالم مارفل، وفي استعادتهم السريعة نعود معها إلى عالمها البديل في “ويستفيو” مواجهة سترينج بقولها: “حين تخالف القواعد تصبح بطلًا، لكن حين أخالفها أنا أصبح العدو.. أين العدل في ذلك”، وتذكيرها لسترينج نفسه بالقول: “فجرت رأس الرجل الذي أحبه وكأنني لم أفعل شيئًا.. لا تحدثني عن التضحية يا سترينج”، تفهم واندا تمامًا معنى أن تكون في كون آخر مع الأشخاص الذين تحبهم، وتفهم أكثر معنى حرمانها من تكوين العائلة التي كانت تحلم ببنائها في الكون 616 فقط، وهي الآن لا تريد شيئًا إلا أن تكون مع طفيلها في عالم آخر.
يتضح لنا الأمر الأكثر إشكالية في شخصية الأنا المتغيرة لواندا بتمثيل غضبها في الفيلم الذي يحمل الكثير من الإشارات إلى الشخصية النمطية للمرأة التي وردت في المرويات والكتابات الكلاسيكية. وهي توقعات وإشارات نمطية لها ارتباطاتها بسلوك المرأة المرتبط بعدم سيطرتها على غضبها، كما أنها مساهمة ليست عادية بالنظر إلى تصويرها الدائم بعدم السيطرة على الغضب، ما يعطيها تقييمات سلبية عاطفيًا، أو وصفها بأنها رد فعل مريض أو مبالغ في العنف، وهي من أكثر الصور النمطية السائدة عن النساء.
بعد حصولها على كتاب “دارك هولد” الذي ساعدها على التحول إلى الساحرة القرمزية، بالمناسبة وفقًا للقصص الهزلية فإن الساحرة القرمزية واحدة من أكثر الشخصيات قوة، وهو ما ظهر فعليًا في الفيلم بالأفعال الناجمة عن غضبها، واحد من تصويرات الغضب هجومها على أكاديمية كامرتاج، مستعينة بشخصيتها المتغيرة، مؤكدةً على أنه لا يمكن لأي أحد إيقافها، لكنه في مقابل ذلك يظهر أنه تصويرًا نمطيًا لغضب النساء، يمكننا مقارنة هذا المشهد بالصورة النمطية لشخصية دينيريس تارجارين (إميليا كلارك) في الموسم الأخير من سلسلة “صراع العروش”.
تذهب واندا في غضبها إلى قتل الجميع بدون تمييز، وهو غضب بالمناسبة يعتمد على الصورة النمطية للنساء بأنهنّ لا يستطعن السيطرة على عاطفتهن، أو غير عقلانيات في أفعالهنّ، مع أنها كانت تتصرف بالكثير من العقلانية قبل هجومها على كامرتاج، كما تخبر سترينج في الفيلم: “أنت تجهل كم كنت عقلانية”، لكنها تعود إلى القول بعد إهانة سترينج لها: “ما يوشك أن يحصل يعبر عن نفسي بسلوك عقلاني “.
على سبيل الملاحظة السريعة، تبرز ثلاث نقاط في هذا الجانب في معظم أفلام مارفل استديو السابقة، أما النقطة الأولى فإنها تأتي في تصويرها لأخطاء أبطالها الذكور على أنها هفوات عابرة يتم تجاهلها في نهاية الفيلم دائمًا، بينما تركز الثانية على صوابية أبطالها الذكور الذين يرتبط بتقديم الإرشادات لأبطالها النساء، وأخيرًا التركيز على الجانب المظلم من شخصية أي بطلة خارقة لم تخدم في الجيش، يمكن الإشارة هنا إلى كابتن مارفل التي تخدم في الجيش الأميركي، وناتاشا رومانوف/الأرملة السوداء التي كانت جاسوسة روسية سابقًا.
كذلك، لدينا الكثير من الإشارات التي تحيلنا إلى تصوير غضب الأنا المتغيرة لواندا، ولعل أهمها مشهد القتال الرئيسي في الكون 838 عندما يقودها غضبها إلى ارتكاب مذبحة ضد فرقة الأفنجرز لهذا الكون، في هذا المشهد تظهر مرتدية قميصًا أبيضًا تغطيه الدماءفي هذا المشهد تظهر واندا بدماء المخثرة على وجهها وقميصها، يمكننا الذهاب في قراءتها للقول إنها مرتبطة بالصورة النمطية عن السلوكيات النفسية للنساء خلال الدورة الشهرية، وهو جانب يظهر تصرفًا “لا” عقلانيًا، وهو توصيف كلاسيكي للغضب غير العقلاني للنساء في هذه الفترة، وغالبًا ما يوصف هذا الغضب بـ”المرضي” أو “الهسيتري”، إذ إنها في هذه المذبحة قضت على نصف الكون 838، مثل دينيريس تارجارين تمامًا.
على سبيل الخاتمة
تبدو النهاية أكثر من متوقّعة، تستطيع تشافيز بمساعدة سترينج في النهاية بأن تجعل واندا تشاهد الجانب المظلم من أناها المتغيرة عندما تلتقي مع طفيلها، ومثل جميع النهايات تقتنع واندا بأنها لا يمكنها أن تعيش مع طفيلها في الأكوان، وهنا عليها اتخاذ قرار الاعتراف بأن كتاب دارك هولد أغواها، وأن عليها تدمير جبل وندغورد: “أنا من فتحت كتاب دارك هولد وأنا من عليها إغلاقه حتى لا يغوي أحدًا مرة أخرى”. هكذا مثل القصص الهزلية كان على الجمهور مواجهة معاناة واندا مع الأمومة في أي مشروع من مشاريع مارفل استديو التي تظهر فيها على الشاشة، وقبلها بالتأكيد في القصص الهزلية.