انطلقت فكرة “كرييتف سبيس بيروت” (Creative Space Beirut) لأول مرة مع مصممة الأزياء سارة هرمز قبل أكثر من عقد من الزمن، يومها كانت البداية مع خمسة طالبات وطلاب، لكن هذه التجربة مع هذا العدد الصغير تحولت الآن إلى علامة تجارية على المستوى المحلي قبل العالمي، وأصبح لديها العديد من الطلبة الخريجين الذي صار لديهم علامتهم التجارية الخاصة، بينما اختار البعض إما الاستمرار في دراسة تصميم الأزياء لتطوير مهاراته، أو الاتجاه إلى تدريس هذا الاختصاص لجيل جديد من مصممي الأزياء.
أهمية التعليم المجاني في لبنان
بعد الانطلاقة الأولى مع عدد الطالبات والطلاب الصغير نسبيًا، تطورت فكرة “كرييتف سبيس” لتكون أكثر شمولًا، واتخذت منهجًا هدفه تعزيز المناهج الدراسية لتصميم الأزياء من خلال مساعدة الطالبات والطلاب لخلق فرص متكافئة في التعليم والتصميم والإنتاج بإنشائهم مدرسة مجانية لتعليم تصميم الأزياء، كما تخبرنا سارة هرمز، وهي مؤسسة مشاركة في هذا الفضاء الإبداعي، فهي تحدد ذلك بقولها موضحة أن اكتشاف أهمية التعليم المجاني في لبنان للأعضاء المؤسسين للمدرسة المجانية كان السبب وراء نشوء هذه الفكرة.
وبالتأكيد فإن نجاح مثل هذه الأفكار تحتاج دائمًا لجيل يملك الموهبة أولًا، ويحتاج إثبات الذات في حال حصوله على الفرصة المناسبة تساعدهم على الإبداع ثانيًا، تقول هرمز في حديثها لـ”بيروت توداي” إنه: “الآن بعد 10 أعوام شهد البرنامج تطورًا كبيرًا، وتحولنا إلى مدرسة لديها برنامج لثلاثة أعوام”، وتكمل حديثها بأن الفكرة تحولت إلى “مؤسسة اجتماعية لتصميم الأزياء تعمل على مبدأ الاستدامة، ومن هنا نشأت فكرة العلامة التجارية CSB”.
وفقًا لحديثنا مع هرمز فإن هذه المساحة الإبداعية وضعت نهجًا لها منذ البدايات قائم على استمرارية التعاون مع الطالبات والطلاب المتخرجين من “كرييتف سبيس”، وهو ما يحيلنا لتوضيح هرمز التي تقول: “من يتخرج من المدرسة يقدم تصميمات ويتم بيعها عبر المنصة الإلكترونية الخاصة بهم”، أي أن الفكرة تحولت إلى مدرسة مجانية ومنصة لبيع تصميمات الطالبات والطلاب في وقت واحد.
في الوقت الراهن تقدم “كرييتف سبيس” كمدرسة مجانية منهاجًا شاملًا لتعليم تصميم الأزياء، وهو بذلك يشمل جميع الاختصاصات، بدون أن ننسى طبعًا التركيز على أهم التصاميم في عالم الموضة على مستوة العالم خلال الأعوام الدراسية، فالمدرسة أصبح لديها برنامج دراسي لمدة ثلاثة أعوام، بدوام أسبوعي من الاثنين إلى الجمعة، برفقة صفوف تغطي جميع الاختصاصات المتفرعة عن عالم تصميم الأزياء حيثُ يمتلك الآن عدد من الطالبات والطلاب الذين تخرجوا علامتهم التجارية الخاصة، بينما تحول بعضهم إلى مجال التدريس والتعليم في هذا التخصص.
تؤكد “كرييتف سبيس” وفقًا لما يرد في معرفاتها الرسمية على أن التعليم حق أساسي لجميع أفراد المجتمع، وهي من هذا الجانب لديها طالبات وطلاب من مختلف المجتمعات والبيئات المتواجدة في لبنان، وهنا المقصود المجتمعات اللاجئة أو النازحة، بالإضافة إلى المجتمع المحلي طبعًا، تقول هرمز في هذا السياق: “لدينا كل عام من خمسة إلى عشرة طالبات وطلاب كل عام، وجميعهم لديهم الشغف والإبداع لتصميم الأزياء، وحين يكونون متواجدين في هذه المساحة يقدمون الأشياء التي يحبونها”.
وتضيف موضحة لذا “نحن لا نتحدث حول هذه المواضيع (خطاب الكراهية) لأنهم في هذه المساحة يكسرون هذه الحواجز بطريقة غير مباشرة باتفاقهم على الإبداع في التصاميم، حيثُ يتم تجنّب الحديث عن هذه المواضيع لأنهم يدرسون لثلاثة أعوام كل يوم مع بعضهم البعض، ويتعاونون على إنجاز مشاريعهم الخاصة، ولديهم تواريخ محددة وعروض ومعارض، فهم هنا يتحولون إلى عائلة، لأنهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم إنسان لديهم نفس الشغف والتفكير في تطوير قدراتهم”.
ومثل جميع المدارس المجانية لدى “كرييتف سبيس” برنامج محدد لاختيار طالبات وطلاب السنة الأولى في كل عام، والذي يبدأ دائمًا بفتح باب التقديم للعام الدراسي الجديد عبر تطبيق متوفر على الموقع الإلكتروني للمدرسة، ووفقًا لهرمز فإن عدد المتقدمات والمتقدمين يتراوح من 150 – 200 طالبة وطالب سنويًا، وبعد قراءة الطلبات يتم اختيار 50 طلبًا لحضور ورشة عمل لمدة ثلاثة أيام، وتوضح هرمز هنا أن الأسماء المختارة للعام الدراسي الجديد يكون بناءً على مجموعة محددة من النقاط، صحيح أن الإبداع واحدًا من شروطها، لكن يجب أن تتمتع الأسماء الناجحة في الاختبارات بـ”روح التعاون، والشخصية القوية، والأسلوب المتميز في العمل، وبالتأكيد فكرة الالتزام لثلاثة أعوام”.
أمام هذه النجاحات التي حققتها “كرييتف سبيس” خلال الأعوام القليلة على تأسيسها، فإن ذلك لا يمنعها من التأثر بالأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان، وبحسب ما تخبرنا هرمز فإنهم يعملون في لوقت الراهن على تحليل الوضع الاقتصادي، ويحاولون إيجاد الحلول للمشاكل اليومية وهو ما يؤثر على إنتاجية العمل، قبل أن تضيف مؤكدةً على أهمية التعليم المجاني، حيث لا يزال “هناك الكثير من الأشخاص الذين يحلمون، وهو مهم للأمل، صحيح أن الأزمة التي يمر بها لبنان صعبة، لكننا مستمرون لأنه هناك الكثير من الأشخاص الموهبين في لبنان، وهو مساحة مهمة مع مرور الوقت لاستمرارنا”.
أمير القاسم: دراسة تصميم الأزياء كانت حلمًا بالنسبة لي
في حديثنا مع أمير القاسم (22 عامًا)، وهو أحد الطلاب المتخرجين من مدرسة “كرييتف سبيس بيروت”، ليخبرنا عن تجربته الدراسية، وحياته المهنية بعد التخرج، يقول إن سبب اختياره دراسة تصميم الأزياء كان “شغفه بهذا التخصص منذ الصغر”، ويضيف بأنه تعرف على “كرييتف سبيس” بعد اتخاذه قرار ترك الدراسة، وهو ما أتاح له فرصة الدراسة في المدرسة التخصصية لمدة ثلاث سنوات، يخبرنا القاسم حول تجربته أكثر قائلًا: “كانت تجربة جميلة لأنهم يقدمون لنا كل شيء يمكنه مساعدتنا على تطوير مهاراتنا وقدراتنا وتحقيق حلمنا”.
ويتابع القاسم حديثه مع “بيروت توداي” مضيفًا بأن: “دراسة تصميم الأزياء كانت حلمًا بالنسبة لي، وخلال الأعوام الثلاثة تعلمت الكثير في هذا التخصص”، يعتبر القاسم أحد الطلاب الذين تخرجوا من “كرييتف سبيس”، وهو من الطلبة الذين استمروا بالتعاون مع المدرسة، يقول القاسم: “استمريت بالقدوم إلى [كرييتف سبيس] بعد التخرج لأنهم لا يتركون الأشخاص الذي يدرسون معهم، ويمنحونهم المساحة للتعاون معهم والعمل على التصاميم التي يريدونها، وهو ما لا تقدمه الجامعات في الوقت الراهن”.
ويختم حديثه معنا في بالإشارة إلى أنه تخرّج من “كرييتف سبيس” في عام 2019، وهو في الوقت الراهن يشتغل على مشاريعه الشخصية بالتعاون مع المدرسة ذاتها، والتي كان أخرها مشاركته في مجموعة من التصاميم التي عرضت مع “كرييتف سبيس” في عطلة عيد الميلاد الأخيرة.
ميناس أغولقيان.. أحب العمل خلف الكواليس
يعتبر هذا العام الدراسي الأخير للطالب ميناس أغولقيان (24 عامًا) مع “كرييتف سبيس”، وفي حديثنا معه عن تجربته في دراسة تصميم الأزياء، يقول إنه بعدما أنهى تعليمه توجه لدراسة تصميم الأزياء في المدرسة، ويضيف بأنه كان يظن في البداية أن دراسة تصميم الأزياء مجرد رسم “لكن عندما بدأت الدراسة في [كرييتف سبيس] جلست لأول مرة خلف ماكينة الخياطة، والتي كانت على عكس توقعاتي المقتصرة على الرسم فقط”، لافتًا إلى أن اهتمامه بدأ يتشكّل حول كيفية تعلم الخطوات في هذا التخصص.
ويؤكد أغولقيان في حديثه على أن تجربة الدراسة مع “كرييتف سبيس” مختلفة عن باقي الجامعات “لأنها تعلمنا الإلهام وكيف يمكننا العمل على أرض الواقع من خلال ماذا يريد الأشخاص أن يرتدوا، وكيف يتطور هذا المجال لنكون مواكبين للموضة العالمية”، ويشير أغولقيان إلى أنه خلال فترة دراسته أتيح له العمل كمصصم أزياء في عدد من المسلسلات، مثل مسلسل “خرزة زرقا” (إخراج جوليان معلوف وسيناريو كلوديا مرشليان)، بالإضافة إلى مشاركته في تصميم أزياء لبعض الأغاني، وكذلك حصوله على برنامج تدريب داخلي عند المصمم كريكور جابوتيان.
لكن أغولقيان لا يعرف إن كان سيستمر في حياته المهنية العمل في تصميم الأزياء للمسلسلات مرجعًا ذلك للأوضاع الاقتصادية التي يعيشها لبنان في الوقت الراهن، ويضيف معبرًا عن حبه العمل أكثر في مجال الرسم والتصميم، أي العمل خلف الكواليس، بالإضافة إلى رغبته استكمال دراسته التخصصية في عالم الأزياء خارج لبنان.
جيهان عزام.. الرسم يساعدني بالتعبير عن مشاعري
بدأت جيهان عزام (24 عامًا) سنتها الدراسية الأولى مع “كرييتف سبيس” هذا العام بعد الانتهاء من دراستها الجامعية، وعن سبب اختيارها لهذا الاختصاص تقول إنها كانت مهتمة بعروض الأزياء والرسم منذ دراستها في المرحلة الثانوية، وتضيف بأنها حاولت التقديم لأكثر من جامعة لدراسة هذا الاختصاص، إلا أن الكلفة المرتفعة كانت تقف عائقًا في طريقها، مما جعلها تتجه إلى دراسة الهندسة الداخلية.
بعد الانتهاء من دراسة الهندسة الداخلية توجهت عزام إلى دراسة تصميم الأزياء في “كرييتف سبيس”، تخبرنا عزام عن سنتها الدراسية الأولى في هذه المساحة الإبداعية قائلة إنها بدأت تتعلم “كيفية تطبيق الأفكار اللي براسي على الورق”، وتضيف بأن “أكتر مادة استفدت منها هي مادة التصميم، أحيانًا كنا ناخد موضوع عائلي أو شخصي كيف يمكن تحويله إلى تصاميم فنية لا نرغب بقولها، وكيف نعبر عنها بدون الحديث حولها بشكل مباشر”.
وتضيف عزام موضحة هذه الفكرة بالقول: “من طريقة الرسم أستطيع عكس هذه المشاعر بدون التحدث عنها، وتحويلها إلى تصاميم للأزياء، لأن هذا بالنسبة لي أفضل شي، بالأخص أنني لست شخص أحب الحديث عن مشاعري، فكانت هذه طريقة كيف يمكنني التعبير عمّا يخطر ببالي”، وهي ترى أن رسماتها وألوانها التي تختارها تساعدها على “إيصال الفكرة للجمهور بأن لا يكونوا مجرد تصاميم فقط، إنما رسالة أيضًا حول طريقة تفكيري”.
قبل الجائحة العالمية مصحوبة بدخول العالم مرحلة الإغلاق الكبير، وما تلاه من كارثة انفجار مرفأ بيروت، كانت “كرييتف سبيس” تنظم معارضًا سنوية لطالباتها وطلابها المتخرجين، لكن الجائحة العالمية فرضت عليهم التوقف نحو عامين، وهو ما فرص عليهم الانتقال من وسط بيروت، المقر الرئيسي السابق للمدرسة، إلى شارع مونو للبدء من جديد منذ نحو عامين تقريبًا، وهم يستعدون في الوقت الراهن لتنظيم معرض جديد خلال الستة أشهر القادمة.