أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، يوم الثلاثاء، عن فوز رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” للكاتب الليبي محمد النعّاس بالدورة الـ15 من الجائزة لعام 2022، وذلك خلال حفل نظم في العاصمة الإماراتية، أبو ظبي، بحضور الكاتبات والكتاب الذين وصلت رواياتهم للقائمة القصيرة، بالإضافة إلى الأسماء الحاصلة على الجائزة خلال الدورات السابقة.
واختيرت رواية النعّاس من بين ستة روايات وصلت إلى القائمة القصيرة، بما في ذلك “دلشاد” للكاتب العمانية بشرى خلفان، “ماكيت القاهرة” للكاتب المصري طارق إمام، “أسير البرتغاليين” للكاتب المغربي محسن الوكيلي، بالإضافة إلى “يوميات روز” للكاتبة الإماراتية ريم الكمالي، و”الخط الأبيض من الليل” للكاتب لكويتي خالد النصر الله.
ووصف البيان الصادر عن لجنة تحكيم الدورة الـ15 لجائزة البوكر، رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” بأنها “فريدة من نوعها”، حيثُ تقع أحداث الرواية في مجتمع قروي منغلق في لبيبا، في ظل محاولة ميلاد، بطل الرواية، البحث عن تعريف لمعنى الرجولة المثالي حسبما يراها مجتمعه، بينما نتتبع فشله طوال مسار حياته في أن يكون رجلًا بعد محاولات عديدة.
تقود هذه المحاولات الفاشلة ميلاد – على ما جاء في وصف اللجنة للرواية – إلى اتخاذ قرار بأن يكون نفسه وأن ينسى هذا التعريف بعد أن يتعرف على حبيبته وزوجته المستقبلية زينب، يعيش أيامه داخل البيت يضطلع بأدوار خصّ المجتمع المرأة بها، فيما تعمل حبيبته على إعالة البيت، ويظل ميلاد مُغيبًا عن حقيقة سخرية مجتمعه منه حتى يُفشي له ابن عمه ما يحدث حوله، إذ إن هذه الرواية تعيد في مضمونها مساءلة التصورات الجاهزة لمفهوم “الجندر” وتنتصر للفرد في وجه الأفكار الجماعية القاتلة.
ويُعد النعّاس أول روائي ليبي يفوز بجائزة البوكر في نسختها العربية، كما أنه أصبح ثاني أصغر روائي يفوز بالجائزة، بعد الكاتب الكويتي سعود السنعوسي الحائز على الجائزة عن روايته “ساق البامبو” في عام 2013، وحصل النعّاس بعد إعلان فوزه بالبوكر العربية على جائزة نقدية بقيمة 50 ألف دولار أميركي، بالإضافة إلى ضمان الجائزة ترجمة الرواية إلى اللغة الإنكليزية.
وقال رئيس لجنة التحكيم الروائي التونسي شكري المبخوت في معرض تعليقه على فوز النعّاس بالجائزة: “لقد قامت الرواية المتوّجة على استعادة تجربة شخصية في ضرب من الاعترافات التي نظّم السرد المتقن المشوّق فوضى تفاصيلها ليقدم نقدًا دقيقًا عميقًا للتصوّرات السائدة عن الرجولة والأنوثة وتقسيم العمل بين الرجل والمرأة وتأثيرهما النفسي والاجتماعي”.
وتابع المبخوت مضيفًا “إنها رواية تقع في صلب التساؤلات الثقافية الكونية حول قضايا الجندر لكنها منغرسة، في آن واحد، في بيئتها المحلية والعربية بعيدًا عن التناول الإيديولوجي المسيء لنسبية الرواية وحواريتها”، ورواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” الصادر عن داري رشم ومسكيلياني منتصف 2021، هي أول رواية للنعّاس، وكان قد كتبها في ستة أشهر أثناء فترة الحجر الصحي، عندما كان مقيمًا في مدينة طرابلس الليبية، تحت القصف وأخبار الموت عن المرض والحرب.
من جهته قال رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية، ياسر سليمان، إن رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” تسرد “قصة حياة شخصيتها الرئيسة، ميلاد، في علاقاتها التي تتقاطع، بتوتر جندري، مع محيطها الاجتماعي بكل توقعاته المتوارثة في المجتمع الليبي في النصف الثاني من القرن العشرين”، مضيفًا بأن شخصية ميلاد تطل علينا “من ثنايا السرد، متقمصًا دور الراوي العليم؛ ليدخلنا في عوالمه الباطنة التي يتخمر فيها الخبز، نابضًا بحياة تجعل منه شخصية رئيسة، في النص الروائي، إلى جانب ميلاد”.
وأضاف سليمان بأن “مما يميز هذا النص الروائي الماتع الجرأة في السرد، والاقتصاد فيه، والانفتاح على مسارات من القص لا توصد الأبواب، وتدفق اللغة التي تنساب الفصحى في عروقها بألق لا مبالغة فيه؛ للتعبير عن خبايا الروح والجسد بلا تكلف أو ابتذال”، لافتًا إلى أن رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” أعلنت عن ميلاد روائي عربي واعد، لينضم إلى كوكبة الكاتبات الكتاب الشبان الذين قدمتهم جائزة البوكر العربية للجمهور العربي.
وضمت لجنة التحكيم للدور الـ15 لجائزة البوكر بالإضافة إلى المبخوت، كل من الكاتبة اللبنانية وعضو الهيئة الإدارية لنادي القلم العالمي إيمان حميدان، الأكاديمية والمترجمة البلغارية بيان ريحانوفا، الشاعر والمترجم الليبي عاشور الطويبي، والشاعرة الكويتية سعدية مفرح.
وكما الحال مع الدورات السابقة، واجهت الدورة الـ15 العديد من الانتقادات بعدما تم تسريب اسم العمل الحائز على الجائزة لهذا العام، قبل أكثر من ست ساعات من الإعلان الرسمي عن الرواية الفائزة بالبوكر العربية لهذا العام، حيثُ أعادت الانتقادات الموجهة للجائزة التشكيك بنزاهتها، وأرجعت ذلك إلى الفساد الذي تتهم به البوكر العربية منذ سنوات.
ومع ذلك، يمثل فوز النعّاس بالجائزة تحولًا مهمًا في سياق الجائزة نفسها، بالنظر لموضوعها الإشكالي الذي يناقش مفهوم “الجندر” من جانب يعتبر – حتى يومنا هذا – من المحرمات في المنطقة العربية، وهو ما سيؤدي لاحقًا إلى إثارة المزيد من الأسئلة والنقاشات المرتبطة بالهويات الجنسية للأفراد التي تشهد تضيقًا على الحريات الشخصية في منطقتا، فضلًا عن إمكانية مساهمتها ظهور المزيد من مثل هذه الأعمال التي قد تساعد على كسر الصورة النمطية المنتشرة عن “الجندر” في منصات التواصل الاجتماعي، والموروثات الشعبية السائدة.