ائتلاف ”استقلال القضاء في لبنان“ أعيد تفعيله بمشاركة 50 حزبا ومنظمة حقوقية ضمن مساعي بدأتها جمعية ”المفكرة القانونية”. وعليه، فإنّ الرهان على تضافر الجهود في معركة استعادة استقلالية القضاء المستمرة، واحدى أدوات المواجهة هذه المرة اقتراح قانون استقلال القضاء الإداري.
”يمكن للقضاء الإداري في حال استقلاله ومنعته الحد من تجاوز السلطة وإبطال كافة القرارات المخالفة للقانون، وبالتالي إخضاع جميع المؤسسات العامة لحكم القانون ما من شأنه مكافحة الفساد وضمان الشرعية ودرء أي محاولة لاستغلال السلطة والمس بموارد الدولة“، هكذا يلخص المدير التنفيذي لـ ”المفكرة القانونية“ أهمية هذا اقتراح القانون المقدّم.
إذا، يسعى الائتلاف عبر اقتراح القانون تحرير القضاء الاداري، أي المحاكم الناظرة في النزاعات بين الأفراد من جهة والدولة والبلديات والمؤسسات العامة، من التدخلات التي عهدناها منذ زمن.
الأكيد أنّ إقرار اقتراح قانون ”استقلال القضاء الإداري“ سيكون بداية مهمة لكفّ يد السياسيين والمتدخلين عن القضاء الإداري في لبنان. لكن تقديم اقتراح القانون عبر أحد النواب للمجلس النيابي ولاحقا اقراره بحاجة لتكاتف وضغط كبيرين. وفي هذا الإطار، تسعى ”المفكرة القانونية“ لتشكيل مجموعة ضغط فاعلة من شأنها لا فقط أن تثبت للقضاة أنها تراقب أدائهم بل لتؤكد لهم أنها حاضرة للدفاع عنهم وتأمين الحماية ”الشعبية“ اللازمة لكلّ قاض يقوم بواجبه.
عندما نأتي على ذكر استقلالية القضاء، نفكّر أولا بمحاسبة القضاء الفاسدين أو حتى المقصرّين، إلا أن هذه العملية ان تمت دون وجود نظام يضمن استقلال القضاء، يعني في وضعنا الراهن أنّ فئة واحدة من القضاة ستحاسب: ”غير المدعومين سياسيا“.
وهذا ما حذّر منه صاغية، الذي لفت أيضا إلى أنّ الحديث عن استقلالية القضاء دون محاسبة للقضاة هو أيضا مسألة خطيرة. شارحا أنّ: ”مشاريع القوانين التي عملت عليها ‘المفكرة القانونية’ تهدف لخلق التوازن ما بين استقلالية القضاء ومحاسبة القضاة. خاصة أن القضاة الأكثر فسادا نجدهم في المراكز العليا أمّا الأكثر نزاهة فيوضعون في مراكز أقل أهمية لكنّ اقتراح القانون المقدّم سيعالج هذه الثغرة في النظام القضائي التي تستبيح القضاء وتوزيع القضاة على المراكز بيد السياسيين“.
وعليه، فإنّ نقلة نوعية بانتظار القضاء الاداري في لبنان إذا ما أبصر اقتراح القانون هذا النور ولم ينس في أدراج المجلس النيابي. فهو يأتي استكمالا لاقتراح سابق حول استقلال القانون العدلي قُدم إلى المجلس النيابي، ولكنه لا يزال عالقا في أدراج لجنة الإدارة والعدل منذ أيلول 2018.
وقد أعلن الائتلاف أنه سيتصدى لـ”التسويف المتمادي في درسه أو لمحاولات المس بجوهر الضمانات الواردة فيه. ويجدر التذكير هنا أن الاقتراح السابق حول القضاء العدلي إنما هدف إلى تحرير واستعادة المحاكم المدنية والجزائية والنيابات العامّة من نير السلطة الحاكمة وتحكمها بالتعيينات والتشكيلات وآليات المحاسبة، بما يضمن المساواة بين الناس أمام القضاء والقانون“.
أبصر الائتلاف النور تزامنا مع الظروف الحساسة، الصعبة والدقيقة. وتزداد أهميته والتعويل على ما سينتجه نظرا للاستحقاقات الصعبة التي تنتظر القضاء مؤخرا، أبرزها: قضية اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم وقبلها شهدنا جريمة تفجير مرفأ بيروت التي ذهب ضحيتها أكثر من 200 شهيد ومئات الجرحى، وما بين هاتين الجريمتين جرائم وانتهاكات كثيرة. هذه الحال تجعل من الائتلاف فرصة حقيقية للتغيير ومعه يزداد الأمل بوجود فرصة حقيقية للمحاسبة.
يقرّ صاغية الذي تلا البيان باسم الائتلاف بأن المؤشّرات حول قدرة القضاء على تحقيق آمال الناس وتطلّعاتهم ”سلبية“. بسبب ”تحويل القضاء إلى دوائر نفوذ تحكم لصاحب القوة ولو عن غير حق ولا تحكم أبدا ضده، فضلا عن رواج ممارسات التدخل في القضاء على أنقاض ثقافة استقلاله.
وهذا ما نستشفّه من الخطاب السّرياليّ حول حصانات الوزراء بما يحصر محاكمتهم بمجلس أعلى متخيّل لم ينعقد يوما. ونستشفه أيضا من النقاشات حول التدقيق الجنائي ووعود المحاسبة، حيث برزت السريّة المصرفية على نقيض كل هذه الوعود كمقبرة يضيع فيها كم هائل من أسرار الفساد. وأيضا من فقدان الثقة في حيادية القضاء وقدرته في التحقيق في الاغتيالات تمهيدا لمحاسبة الجهات الضالعة فيها منعا لمزيد من هدر الدم، بما يقوض الحد الأدنى من مشاعر الطمأنينة والأمان“.
باختصار، القضاء اللبناني بوضعه الحالي غير قادر على تحقيق المحاسبة المطلوبة. وعليه، صار ”تنظيفه“ وحمايته من التدخلات السياسية أمرا واجبا حتى تطال يد العدالة الجميع دون أي استثناء. وهنا تكمن أهمية الدور الذي سيلعبه الائتلاف والضغط الشعبي في الفترة المقبلة. فهذه العوامل تجعل من استقلالية القضاء وتحريره من من هيمنة السلطة الحاكمة ”شرطا أساسيا لبناء الدولة الديمقراطية العادلة والفاعلة وإخضاع الإدارات العامة لحكم القانون ومحاسبة المرتكبين فيها، والأهم لوضع خطوط حمراء في وجه أيّ حاكم“، حيث يشكل استقلال القضاء ”هدفا وطنيا يندرج ضمن الهدف السياسي الأوسع الذي هو إعادة تكوين السلطات في لبنان وإرساء النظام الديمقراطي فيه“.