بالتشريع، تنقذوا كرامة الصحافة اللبنانية

(Al Alrabiya | AP)

بعيداً عن أجواء الاستنكار اللا مجدي و التذمر من الحال التي وصلت إليه الصحافة المطبوعة في لبنان، هنالك حلول عملية موجودة وبسيطة التطبيق، يمكن تفعيلها بقليل من وقت المعنيين و تركيزهم  على ملف كرامة و حرية الصحافة اللبنانية.

إن حال الصحافة في لبنان مما تعيشه من تدنّي في جودة المضمون، هو نتيجة مباشرة لتردّي الوضع المالي للشركات الناشرة. فالصحف في نهاية المطاف، تبقى مؤسسات تبغى الربح و لها ميزانية مصدّقة و يفترض أن تُطبّق عليها قواعد المحاسبة الاعتيادية في تسجيل الربح و الخسارة. لذلك فهي بطبيعتها تسعى الى زيادة مواردها، حتى لو كان ذلك على حساب جودة المواد واستقلالية قلمها.

اضمحلال الموارد

لقد واجه قطاع الصحافة المطبوعة التجاري، على صعيد عالمي، أصعب تحدّيات القرن ببروز الانترنت منذ أكثر من عشرين عاما.

إنتقلت عبر السنين الموازنات المخصصة للدعاية الورقية إلى المواقع الرسمية و من بعدها الى مواقع التواصل الاجتماعي و معها خرجت الصحافة اللبنانية من إطارها المهني و تبعثرت في “البوست” و “البلوغ “و “الشنل” وإلى ما هنالك من مساحات رقمية مفتوحة للنقاش.

قد يكون ذلك له نتائج إيجابية أو سلبية، لكن من المؤكد أن دور الطباعة و المؤسسات الناشرة تأخرت في ركوب الموجة و أضحت لاعباً كسائر الراكبين بدلا من أن تكون في موقع من يضع أُطُر ومبادىء اللعبة. بالإضافة الى ذلك، و رغم محاولات باكرة للإنتقال التدريجي الى الرقمي من بعض دور النشر في الغرب، إلا أن مدخول الصحف لم يعد يوازي كلفة الإصدار والطبع وإعتمادها على مؤسسات لها هيكليات إدارية مضخّمة في عالم يسير نحو المكننة و إدارة المعلومات أزاد من مشاكلها المالية.

أما في لبنان، يأتي إضافة الى ما ورد، إعتماد الصحف اللبنانية على “تمويلات إستثنائية” من خارج الميزانية لتغطية نفقاتها الاساسية، كرواتب المحررين و العاملين و كلفة الطباعة و التوزيع.

أقفلت صحيفة “الحياة” مكتبها في لبنان في 2018 وهي تأسست قبل أكثر من سبعة عقود. (Awassim)

هذه “التمويلات الاستثنائية” غابت أيضاً عندما بدأ يكتمل المشهد السياسي في المنطقة وفي لبنان وانحرفت الاهتمامات الاقليمية و العالمية نحو جبهات ربيعية قضت على الأعداد الخاصة و الاشتراكات و مواردها السخيّة.

إن حالة هذا القطاع الحيويّ ظهرت الى العلن عندما بدأت تقفل الصحف أبوابها و تصرف موظفيها و بدا فعلياً المستوى الذي آلت إليه حالة هذا القطاع خلال الانتخابات النيابية التي جرت في أيار ۲۰۱۸، حيث برّرت بعض المؤسسات الإعلامية تغليب مصلحتها التجارية على المبادئ التي قامت عليها المهنة، بقانون انتخاب لم يوضح الفرق بين الإعلان التجاري و المقال الصحفي و لم يتطرق بالتفاصيل لأبسط أصول التغطية الاعلامية المنصفة.

أحد الحلول: مشروع تعديل المادتين ۱۰۱ و ۱۰۲ من قانون التجارة

يأتي موضوع المادتين ۱۰۱ و ۱۰۲ من قانون التجارة في صلب الأولويات لتعديلات بسيطة يمكنها أن تحقق الكثير في مسيرة استعادة الصحافة اللبنانية استقلاليتها.

تنص المادة ۱۰۱ من قانون التجارة، التي عُدّلت بموجب قانون منفّذ بمرسوم ۹٧۹٨/۱۹٦٨ على ما يلي:

“على اعضاء مجلس الادارة ان ينشروا كل عام في الجريدة الرسمية وفي صحيفة اقتصادية وصحيفة يومية محلية بعد شهرين من تاريخ موافقة الجمعية العمومية على الحسابات ميزانية السنة المالية المختتمة وقائمة بأسماء اعضاء مجلس الادارة ومفوضي المراقبة.”

إن هذه المادة تطبّق على جميع الشركات المسجّلة في لبنان، من مساهمة و مغلقة، باستثناء الشركات القابضة (هولدنغ) و هدفها توفير المعلومات التجارية بشفافية للرأي العام  و ضمان تمويل ذاتي للصحف اليومية و الاقتصادية يمكنهم بموجبها الإعتماد على موارد دورية مستحقة تخلصهم من عبء الفواتير و تعيدهم لعملهم لينتجو بحرية، وشفافية، صامدين بوجه النهج المفسد الذي يتحكم بمفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان.

فلماذا لا تستفيد الصحف من هذه الواردات المشروعة و المحقّة؟ الجواب أدناه، في المادة ۱۰۲ من قانون التجارة اللبناني التي عُدّلت بموجب قانون منفذ بالمرسوم  نفسه رقم ۹٧۹٨/۱۹٦٨.

“يعاقب اعضاء مجلس الادارة على عدم نشر ميزانية الشركة بغرامة من ألف إلى خمسة آلاف ليرة لبنانية وعلى عدم القيام بالمعاملات المختصة بتعليق نظام الشركة وبوضع البيانات اللازمة على الأوراق الصادرة عن الشركة بغرامة من مائة إلى ألف ليرة لبنانية. وفي حال تكرار المخالفة تضاعف العقوبة.”

نعم، ليس هنالك أي خطأ مطبعي، فمبلغ الغرامة هو بالفعل خمسة آلاف ليرة لبنانية وهو مبلغ واقعي… لكن لسنة ۱۹٦٨.

قد يكون ملفت كيف العديد من الشركات التي هي على علم بوجود هاتين المادتين منذ العام ۱۹٦٨على الاقل، تلتزم بإصدار الدعوات و نشر ميزانياتها و غيرها من الاعلانات الرسمية سنوياً، مع العلم أن دفع الغرامة هو أرخص بكثير من كلفة النشر التي تشكل واردات حيوية ليس فقط لمئات الصحافيين و عائلاتهم بل أيضاً لشركات الطباعة و العاملين فيها. ويجدر الذكر انّ شركات الطباعة قد شكلت تاريخيا مع الصحف اللبنانية، قطاعاً حيوياً لطالما تغنى به الابآء كسلطة رابعة. لكن و للأسف أصبحت الصحافة اللبنانية اليوم في أحسن الأ%D;و”D8ل سلطة مهاونة، لا حول لها ولا قوة، وبأسوء الأحوال سلطة متخاذلة، تخلت عن قيمها مقابل استمرارية مالية مرتهنة لفريق بوجه فريق.

وهنالك مشاريع لتعديل المادتين ۱۰۱ و ۱۰۲ من قانون التجارة جاهزة منذ سنوات بالإضافة إلى مشاريع أخرى كمشروع تعديل القوانين رقم ۱٤/٨٧ و رقم ٨۹ اللذين يوجبان بنشر الرسوم والنماذج الصناعية وبراءات الإختراع و مشاريع تعديل المواد المتعلقة بالإعلانات القضائية.

إن إقرار قوانين وتعديلات كهذه يمكن أن يتم سريعاً في أقرب جلسة تشريعية، وبانتظار التعديلات الموعودة لقوانين التجارة و المطبوعات بأكملهما، يمكن التوقع أن هنالك العديد من المشاريع المشابهة في جميع القطاعات، قابعة في دهاليز الادارات الرسمية. كفى حلقات فارغة و صراعات دونكيشوتية، إقليمية تارة و محلية تارة اخرى. إن الإصلاح المنشود لن يتمّ إلا عبر قوانين عصرية تلائم حاجات أهل المهن بعيداً عن تنظير الغرف المغلقة.  

 

Exit mobile version