لم تصل ارتدادات الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا بقوة إلى لبنان، ولم توقع الدمار كما هو الحال في تركيا وسوريا، لكن يصعُب تجاوزها في ظل عدم اتضاح حجم الأضرار المحتملة في الأبنية التي تعود بغالبيتها إلى ثمانينيات القرن الماضي.
الزلزال الذي ضرب تركيا بقوة 7.7 درجات فجر الاثنين، 6 شباط (فبراير) الجاري، وانسحب إلى مناطق الشمال السورية محدثاً أضراراً بشرية ومادية هائلة في البلدين، امتد إلى لبنان وإن بقوة أقل بلغت 5.5 درجات على مقياس رختر، وأحدث أضراراً طفيفة جداً بالمقارنة مع حجم الأضرار في تركيا وسوريا. غير أنه لا بد من التعامل مع الأضرار المحتملة في المدَيين القريب والمتوسط، والتي قد تلحق بالأبنية السكنية في مختلف المناطق اللبنانية.
لبنان الذي ناله القسط الأصغر من فاجعة الزلازل، يعيش مواطنوه قلقاً من انهيار أبنية، وطرق تصدّعت وظهرت عليها الشقوق في وقت لم يخرج من السلطات الرسمية اللبنانية مَن يطمئن اللبنانيين إلى إجراء مسح في المناطق لتحديد الأضرار، والكشف على المباني الآلية للسقوط أو المعرضة لمزيد من الضرر أو تستلزم الصيانة وتمتين أساساتها.
غياب الدولة
منذ وقوع الزلزال الأول فجر الاثنين الماضي، وكل ما تلاه من زلازل وصلت ارتداداتها إلى لبنان، لم يخرج مسؤول رسمي في لبنان ليرشد اللبنانيين إلى ما يجب القيام به في حال تعرّض المباني والأملاك لأي ضرر، ولم تعلن السلطات الرسمية في لبنان نيتها إجراء مسح لإحصاء الأضرار الواقعة والمعرضة للوقوع لاحقاً نتيجة تصدع المباني.
رسمياً، اكتفى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي بالإعلان أن “إحصاء الأضرار ينطلق من إبلاغ المواطنين البلديات عن الأضرار”، على أن تجري البلديات كشفاً وتضع تقاريرها ثم ترفعها إلى وزارة الداخلية التي تتواصل مع الهيئة العليا للإغاثة.
من جهتها اللجنة الوطنيّة لإدارة الكوارث والأزمات عمدت إلى متابعة الإجراءات المتعلّقة بتداعيات الزلزال، غير أنها غير مخولة إجراء أي مسوحات للأبنية المتضررة.
وحذرت نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة من خطر الاستمرار في سكن المباني القديمة، إذ إن هناك آلاف المباني مهدّدة بالسقوط في بيروت وطرابلس وصيدا. وحذّر خبراء من مخاطر البقاء في تلك المباني قبل الكشف عليها، إثر تعرّض البلد لارتدادات الزلالزل.
وتشير الأرقام إلى وجود أكثر من 16 ألف مبنى آيل للسقوط في بيروت فقط، بالإضافة إلى نحو أربعة آلاف مبنى في طرابلس والشمال، ولا ننسى وجود مبان قديمة في مناطق صيدا وجبل لبنان وزحلة، كل تلك المباني شيّدت قبل ثمانينيات القرن الماضي، وتفتقر للحد الأدنى من معايير السلامة. ولا بد بحسب الخبراء من الكشف عليها بعد تعرضها للزلزال.
وحدها المساعي الشخصية من هنا وهناك كسرت صمت السلطة السياسية، وقد بادر النائب إبراهيم منيمنة إلى متابعة ملف الكشف على سلامة الأبنية المتصدّعة والمهددة بالسقوط عبر لجنة من المهندسين المتطوعين لمحاولة منع الضرر ما أمكن، كاشفاً عن أن قانون هيئة إدارة الكوارث لم يتم إقراره لأسباب طائفية رغم الحاجة الماسة له.
وتبقى الأزمة الكبرى في عدم وجود تصوّر لعدد المباني التي تحتاج للترميم أو مهددة بالخطر، وكل ما هو متوفر إحصاء المباني المتضررة من انفجار مرفأ بيروت والمباني القديمة، غير أنه لا أرقام ولا تصور واضح عن عدد المباني المتضررة من الزلازل حديثاً.
مسح وتعويضات
كل ما توفر حتى الساعة هو البلاغات التي تقدّم بها عدد من السكان في مختلف المناطق، لاسيما في بيروت وطرابلس، وأعطوا إفادات عن مبان متصدعة نتيجة الزلزال، بالإضافة إلى إفادات حول أضرار مادية وقعت في معامل ومصانع في البقاع وطرابلس. كما تشارك عدد من المواطنين تجاربهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مبيّنين ما تعرّضوا له من خسائر نتيجة تحطم أثاث وتشقق جدران منازلهم.
قد لا تكون الأضرار ملموسة حتى اللحظة، لكنها ورغم تضاؤل حجمها لا بد من التعامل معها، وإحصائها وتحديد آلية تصحيحها أو التعويض على المتضررين وتحديد مرجعية التعويضات.
بالنسبة إلى الهيئة العليا للإغائة فلا آمال تُعقد على تقديمها أي تعويضات للمتضررين إذا ما افترضنا مساهمتها بالمسح على الأبنية المتضررة وتحددي حجم الأضرار. وقد حسم موقف الهيئة رئيسها اللواء محمد خير الذي أكد أن لا قدرات مالية للهيئة تمكّنها من التعويض مادياً على المتضررين. ما يفتح الباب على أزمة مرتقبة في المرحلة المقبلة عنوانها المباني الآيلة للسقوط والتعويض على أصحابها.
أما شركات التأمين فلا شيء يلزمها سوى العقود المبرمة بينها وبين المتضررين في حال توافرت بوليصة التأمين، علماً أنه لا بوليصة تأمين تشمل المباني القديمة، خصوصاً تلك القائمة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. أما المباني الجديدة ففي حال ثبت أي اضرار فيها، وهو أمر مستبعد، فإنه يستوجب على شركات التأمين التعويض على أصحابها بحسب ما هو وارد في البوليصة، وهنا لا بد من التنويه بأن غالبية شركات التأمين تستثني الأضرار الناجمة عن العوامل الطبيعية كالزلازل والتسونامي والعواصف وغيرها من التغطية التأمينية.