مائدة الميلاد

وحش الأسعار يغزو مائدة الميلاد

تواجه مئات الآلاف من العائلات اللبنانية ظروفاً معيشية قاسية تجعل من الأعياد إستحقاقات يصعُب تمريرها، ولأن ليلة عيد ميلاد السيد المسيح تـُعد من المناسبات الأساسية التي تقوم على لمّ شمل العائلة والأصدقاء، بات عشاء ليلة الميلاد محطة ثابتة تجمع أصنافاً غذائية تقليدية تشكّل جزءاً لا يتجزأ من تقاليد وطقوس عيد الميلاد.

وليس بذخاً أو رفاهية اعتبار عشاء الميلاد ركن أساسي للعيد لكن نظرا للفلتان الذي يعبث بالأسواق التجارية وخضوع أسعار المنتجات الإستهلاكية كافة لبورصة أسعار يومية ترتفع مع ارتفاع الدولار ولا تنخفض معه… بات الإنفاق المالي على ما هو خارج نطاق الضرورة القصوى محصوراً فقط بفئات إجتماعية معينة لا يشمل الفقراء وذوي المداخيل المتدنية، لاسيما إن بلغت تكلفة العشاء الميلادي مئات الدولارات.

تكلفة ”عشاء“

نعم تبلغ تكلفة العشاء الميلادي المنزلي لعائلة لبنانية عدة مئات من الدولارات حتى أن الشريحة الأكبر من المواطنين يتّجهون الى استبدال الكثير من الأصناف بأخرى أقل تكلفة، ولكن تبقى الأصناف التقليدية شبه ثابتة على المائدة الميلادية كالديك الرومي أو ”الحبش“ الذي يتصدّر وجبة عيد الميلاد ويُعد من أبرز أعمدتها، وتبلغ تكلفة الديك الرومي نحو 225 ألف ليرة لبنانية.

وتعد المعجّنات بما فيها الرقاقات أحد الأطباق الضرورية على الطاولة الميلادية، ويبلغ سعر الدزينة (12 قطعة) من معجنات الزعتر والجبنة والسبانخ والرقاقات والـHOTDOG نحو 7500 ليرة، أما الكبة باللحمة 10000 ليرة والكبة بالقريدس 30000 ألف ليرة للدزينة الواحدة.

 ولا يغيب الطبخ اللبناني عن المائدة الميلادية إذ يحضر ورق العنب والمتبلات والتبولة أو الفتوش وعموم المازة اللبنانية بشكل أساسي، علماً أن الخضار ارتفعت أسعارها في الاشهر القليلة الماضية بأكثر من 20 في المئة ما يجعل من طبق الفتوش أو السلطة طبقاً مكلفاً مادياً.

 أضف الى أن كافة الاسعار الإستهلاكية لا سيما الغذائية منها ارتفعت بين 10 و30 في المئة منذ شهر أيلول الفائت وحتى اليوم وفق أرقام جمعية حماية المستهلك، بحيث ارتفع سعر كيلو لحم البقر الى نحو 18 ألف ليرة ووصل في بعض أحياء بيروت الى 28 ألف ليرة لبنانية، ولا ننسى حضور اللحوم المقددة على المائدة الميلادية وقد تجاوز سعر الكيلو منها الـ 40 ألف ليرة.

ويبقى الحاضر الأول على مائدة الميلاد لدى الفئات الاجتماعية كافة، النبيذ بمختلف أنواعه وتبدأ أسعار زجاجة النبيذ من 13 ألف ليرة صعوداً ولا تنتهي عند 150 ألف ليرة وأكثر وتختلف باختلاف الشركة المصنعة وتاريخ الإنتاج والبلد المنتج، كذلك الأمر بالنسبة الى liqueurs الذي يأخذ مكانه الى جانب النبيذ.

ولا تخلو المائدة ليلة عيد الميلاد من بعض أصناف الخبز والأجبان التي تترافق مع المشروبات الكحولية لاسيما منها النبيذ وترتفع أسعار أنواع الـ baguettes إذ يتجاوز بعضها الـ 10 و15 ألف ليرة في عدة مناطق، أما أسعار الأجبان فحدّث ولا حرج، لاسيما الأجبان الأوروبية مثل الـEmmental وCamembert cheese وRoquefort وCheddar والقشقوان وغيرها من الأصناف التي لا يقل سعر الأوقية (200 غرام) منها عن 9000 أو 10000 ليرة لبنانية. وتبقى العصائر والفاكهة والمكسرات والكستنا الحاضر الدائم على المائدة ويتراوح سعر الكيلو من الأخيرة بين 12 ألف و15 ألف ليرة.

الحلويات و”سعر الصرف“

أما في ما يتعلّق بالحلويات المرتبطة بمناسبة عيد الميلاد فيتقدّمها دون منازع بوش نويل Bûche de Noël، وهو تقليد تراثي فرنسي، يأتي في صدارة الحلويات الميلادية، وهو مصنوع من الشوكولا على شكل جذع شجرة. وفي حال استبعدنا كافة أصناف الحلويات الأخرى فإن أسعار الـBûche de Noël تتراوح بين 30 دولاراً و50 دولاراً ويبلغ حجم Bûche de Noël المتوسط أي المخصّص لـ8 أشخاص (cm 30) وسعره 40 دولاراً.

وهنا لا بد من الإشارة الى أن Bûche de Noël على سبيل المثال المسعّر بـ40 دولاراً يتم تسعيره بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف 2000 ليرة للدولار وبذلك يصبح Bûche de Noël المتوسط بسعر 80 ألف ليرة وليس 60 ألفاً.

وعلى الرغم من استثنائنا العديد من الأصناف المحبّبة على المائدة الميلادية كثمار البحر (الأسماك والـsmoked salmon وغيرها) والحلويات الغربية والحلويات المصنوعة من الكستنا والكراميل تبقى تكلفة مائدة ميلادية مخصّصة لعائلة لبنانية واحدة باهظة جداً وتتجاوز 900 ألف ليرة.

عجز ”الرقابة“

من الطبيعي أن تتفاوت وتختلف أسعار المنتجات التي عرضناها باختلاف جودة المنتج ومصدره، والمنطقة التي يتم تسويقه فيها، لكن تكمن الأزمة الكبرى في ارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع الليرة وتسعير الغالبية الساحقة من المنتجات بالدولار الأمر الذي رفع مستوى أسعارها بشكل كبير تجاوز مستوى 30 في  المئة في بعضها.

وإذا كانت وزارة الاقتصاد والتجارة قد عجزت عن ضبط الأسواق في فترات الأعياد خلال السنوات السابقة وحماية المواطنين من جشع التجار واستغلالهم فترة الأعياد، فإنها من دون شك عاجزة اليوم، كما الدولة برمّتها، عن ضبط سوق الصرف وإلزام التجار بالتسعير بالليرة اللبنانية أو التزام مستوى الأسعار بالليرة اللبنانية مع هامش مقبول للأرباح.